الخميس 08 أيار , 2025 09:47

قصف مطار بن غوريون: تقديرات إسرائيلية لمرحلة استنزاف طويلة من صنعاء

تشير التقديرات الأولية في الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية إلى أن استهداف مطار بن غوريون من قبل صنعاء يمثّل تطوراً نوعياً في طبيعة التهديدات المتعددة التي تواجهها إسرائيل منذ عام 2023. ورغم أن تفاصيل الضربة ما زالت قيد الرقابة العسكرية، إلا أن المؤشرات تفيد بوقوع خلل مؤقت في حركة الملاحة وتحويل بعض الرحلات، وهو ما أكّدته تقارير في الصحافة الإسرائيلية دون الاعتراف المباشر بالأضرار.

تتعامل المؤسسة الأمنية في تل أبيب مع هذا الهجوم باعتباره تجاوزاً لخط أحمر تقليدي، إذ جرى استهداف البنية التحتية الحيوية في العمق الإسرائيلي، وليس فقط في مناطق الأطراف أو الجبهة الجنوبية. وبحسب مصادر عسكرية نقلت عنها "هآرتس" و"القناة 12"، فإن الاحتمالات المتزايدة لتكرار هذا النوع من الضربات، لا سيما ضد مطارات أو منشآت استراتيجية أخرى مثل محطات الكهرباء والموانئ، تضع تحدياً جديداً أمام قدرة إسرائيل على تجاوز التبعات.

ورغم امتلاك إسرائيل منظومة دفاع جوي متقدمة، إلا أن الضربات البعيدة المدى القادمة من اليمن كشفت عن ثغرات في قدرة هذه المنظومات على التعامل مع تهديدات من اتجاهات غير تقليدية. فالهجوم الأخير لم يكن الأول، لكنه الأكثر تأثيراً من حيث الموقع المُستهدف، والرسالة السياسية المرافقة له.

يشير محللون عسكريون إلى أن نجاح الضربة، حتى ولو بشكل جزئي، يدل على تطور في دقة الصواريخ أو المسيّرات المستخدمة من قبل صنعاء، وعلى قدرة متزايدة في التنسيق مع باقي مكونات ما يُعرف بمحور المقاومة. ومع أن الأجهزة الأمنية في إسرائيل تحاول تقليل شأن هذه الضربات إعلاميا، إلا أن طبيعة الإجراءات الاحترازية المتخذة داخليا تشير إلى إدراك حقيقي لحجم الخطر.

اقتصادياً، أي مساس بمرافق مثل مطار بن غوريون ينعكس مباشرة على قطاعَي الطيران والسياحة. وتشير تقارير أولية إلى ارتفاع في معدلات إلغاء الحجوزات وتحويل بعض الطائرات إلى مطارات بديلة، وسط حالة من التوتر في شركات الطيران الأجنبية العاملة في إسرائيل.

فيما  تتزايد الانتقادات للحكومة بشأن ضعف الجاهزية أمام هذا النوع من الهجمات، في وقت تستمر فيه العمليات العسكرية في غزة، وتتصاعد الاشتباكات على الجبهة الشمالية. هذا التراكم في مصادر التهديد، يضع الجيش الإسرائيلي أمام استنزاف فعلي يشتت موارده ويحدّ من قدرته على الحسم.

واحدة من أكثر السيناريوهات التي يجري التحضير لها حالياً، بحسب تقارير إسرائيلية، هي محاولة صنعاء تنفيذ هجمات دقيقة ضد شبكة الكهرباء أو منشآت حيوية أخرى. وتمّ خلال الأسابيع الأخيرة رفع حالة التأهب في محيط بعض محطات الكهرباء ومصافي النفط، وسط تخوف من أن تكون الضربات المقبلة أكثر تأثيراً من الناحية التشغيلية.

اللافت أن الجيش الإسرائيلي بدأ بتحديث بعض خطوط الدفاع في جنوب فلسطين المحتلة ووسطها، بالتزامن مع تفعيل غرف عمليات خاصة بالتنسيق مع سلاح الجو والقيادة الجنوبية، في محاولة للردع المسبق أو إعتراض التهديدات قبل وصولها.

في التقدير العام، ترى أجهزة التقدير الاستراتيجي أن الهجمات القادمة من صنعاء مرشحة للاستمرار، خاصة في ظل غياب مؤشرات على تهدئة قريبة في غزة. وتخشى إسرائيل أن تتحول اليمن إلى قاعدة استنزاف ثابتة، تربك المجال الجوي الإسرائيلي وتفرض على الجيش الإسرائيلي توسيع مسرح العمليات، أو الدخول في ردود مباشرة قد تفتح جبهة جديدة.

كما أن فشل إسرائيل في توجيه ضربة ردع ناجحة حتى الآن لصنعاء، يفتح الباب أمام مزيد من الاستهدافات، ويمنح أنصار الله هامش مناورة أكبر من الناحية السياسية والعسكرية. وفي هذا السياق، يعتبر بعض المحللين أن الضربات اليمنية لم تعد مجرد "رسائل تضامن" بل تحولت إلى أدوات ضغط ميدانية تؤثر على القرار الإسرائيلي.

يمثّل استهداف مطار بن غوريون نقلة في طبيعة الاشتباك بين إسرائيل وصنعاء، من الرمزية إلى العمليات المؤثرة. وفي حال استمرّت هذه الهجمات ونجحت في استهداف منشآت أكثر حساسية مثل محطات الكهرباء أو المصانع، فقد تجد إسرائيل نفسها أمام جبهة بعيدة، لكنها فعّالة، ضمن معادلة جديدة تُرسم في المنطقة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور