وفقاً لهذا المقال الذي نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، فإن رئيس وزراء الكيان المؤقت بنيامين نتنياهو الذي كان يقصد من خطابه الساخر والمتذمر، في الإفادة الخطية للمحكمة العليا المليئة بالمعلومات السرية، الرد على الاتهامات الخطيرة الأخيرة التي وجهها رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار ضده. إلا أنه كشف عن ذنبه.
وأن خلاصة إفادة نتنياهو هي بأن بار يُشكّل تهديدًا مستمرًا لأمن كل مستوطن إسرائيلي. بينما المشكلة هي أن التهديد الأكبر، وبفارق شاسع، هو نتنياهو نفسه.
النص المترجم:
سخيف. كذب. كذب تام. سخافة مطلقة. نسخ متطورة من الأكاذيب! الخطوط العريضة والكلمات بالخط العريض تكسب القضايا في المحاكم!
هذا هو نص الإفادة الرسمية الجدية، التي أدلى بها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحت القسم، وقدّمها يوم الأحد إلى المحكمة العليا في إسرائيل، في محاولاته المستمرة لإقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، رونين بار.
منذ أن وافقت الحكومة، بكل أمانة وبالإجماع، على إقالة بار في شهر آذار/مارس، أصدرت المحكمة العليا أمرين احترازيين ضد القرار، وشجعت الأطراف الرئيسية على تقديم إفادات – على أمل التوصل إلى تسوية على ما يبدو. في إفادته التي قدمها الأسبوع الماضي، وجّه بار اتهامات نارية لرئيس الوزراء، مدعيًا أن نتنياهو ضغط عليه لاستخدام الجهاز الأمني لقمع المعارضة السياسية، وزعم أنه طلب منه اختلاق ذرائع أمنية كي يتجنب نتنياهو الإدلاء بشهادته في قضايا الفساد المتهم بها – وهو ما يثير شبهة أفعال جنائية.
رد نتنياهو تأخر عن الموعد الذي حددته المحكمة. ربما كان هناك من يخطط لرد ذكي، لكن عند الاطلاع على المنتج النهائي – يبدو أن إعطاء رجالات نتنياهو هذا القدر من الفضل أمر مبالغ فيه.
الأسلوب الوحيد المعتمد هو الغضب. النبرة تتأرجح بين التهكم والانفعال الشديد، ويمكنك أن ترى اللعاب المتطاير. أكثر الكلمات تكرارًا كانت "كذب" أو "كذب تام"، لكن كلمتي "سخيف" و"يثير الحاجب" – والتعبير الأخير لا يمكن ترجمته بدقة – كانتا قريبتين منهما في التكرار. بعض الفقرات تتكرر حرفيًا تقريبًا، حتى في البنود المتتالية مثل الرقم 20 و21: كلاهما يفندان ادعاء بار بأن نتنياهو ضغط عليه لاستخدام الشاباك ضد المتظاهرين، ويصفان ذلك – انتظر – بأنه "كذب تام".
عدة خطوط دفاع تم تجميعها دفعة واحدة: بار حرّف تفسيراته لما جرى وحرّفها إلى أكاذيب. في مواضع أخرى، يكشف نتنياهو مقتطفات من محاضر رسمية لاجتماعات حكومية معينة، ليثبت أن الأمور جرت بشكل مختلف، وكأن الجمهور الإسرائيلي لا يدرك أن هذه الاقتباسات تم انتقاؤها بدقة جراحية. في كل واحدة منها يظهر نتنياهو وهو يقول أشياء نبيلة، ويرد بار قائلاً: "لا أعلم" – وهذا، بحسب نتنياهو، دليل على أن "الحقيقة هي النقيض المطلق للإفادة الكاذبة".
أسلوب "ماذا عن..." يتغلغل في ثنايا الوثيقة: ماذا عن تلك "السبق الصحفية" المتزامنة خلال الأسابيع الماضية حول تسريبات من محادثات داخل الشاباك تُظهر أن الجهاز ربما تجاوز صلاحياته أثناء ملاحقة مشتبه بهم في الإرهاب اليهودي؟ وماذا عن التحريض الواضح على القتل الذي يمارسه المتظاهرون ضد المسؤولين المنتخبين، وبالطبع ضد رئيس الوزراء وعائلته؟ سيكون الأمر مرعبًا حقًا... لو لم نكن نسمع عبارة "إنهم يسفكون دمي ودم عائلتي" منذ عقدين من الزمن.
وإن لم يكن الغليان الخطابي كافيًا لإرباك القارئ، فإن نصف المعركة البلاغية في كلا البيانين تُخاض على أرض خفية؛ إذ يكشف نتنياهو مقتطفات مختارة من محاضر سرية، ردًا على نسخة سرية بالكامل من أدلة بار – وكل ذلك باسم "حق الجمهور في المعرفة".
وكما في إفادة بار، فإن الجزء الأكثر إيلامًا في نسخة نتنياهو هو تشريح ما بعد الكارثة، عقب مقتل أكثر من 1200 شخص، في محاولة لفهم ما جرى صباح السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وهو أيضًا الجزء الأكثر مصداقية في السياق العام، ما وراء الضباب والمرايا التي يصنعها انتقاء الاقتباسات السرية وترتيب الجداول الزمنية. ما هو مؤكد: أن رونين بار والجهاز الأمني كانا مسؤولَين عن فشل كارثي لا يُغتفر. كان ينبغي أن تنتهي ولايته، بل ومسيرته المهنية.
لكن المشكلة أن كل سبب يبرر إقالة بار ينطبق على نتنياهو بشكل مضاعف. بار ترأس الشاباك لما يقارب عامين قبل السابع من تشرين الأول 2023؛ أما نتنياهو، فكان على رأس السلطة خلال معظم السنوات الأربع عشرة الممتدة من 2009 حتى 2023. وفيما قبل السابع من تشرين الأول، يستعرض نتنياهو اقتباسات تدلّ على رغبته في اتخاذ إجراءات وقائية أكثر حدة ضد حماس، لكن بار رفض. ومع ذلك، وخلال فترة حكمه، تجنب نتنياهو الدخول في حروب شاملة مع حماس، مفضلاً الحروب المصغرة وتدليل الحركة بالأموال القطرية.
كما كشفت القناة 12 أن نتنياهو سبق أن رفض مقترحات لاغتيال يحيى السنوار ومحمد الضيف، اللذين كانا القائدين السياسي والعسكري لحماس في غزة حينها.
كان بار مسؤولًا عن جانب واحد من الأمن الإسرائيلي، إلى جانب الجيش والموساد – أما نتنياهو، فهو المسؤول عن كل شيء. وقد استشهد نتنياهو بحجته الأصلية أمام الحكومة لتبرير الإقالة، قائلاً إن إسرائيل تواجه "تحديات أمنية عاجلة وجديدة" لا يمكن تسميتها، لكنها تتطلب إقالة بار الآن لإعادة تأهيل الجهاز، مضيفًا أن "أعداءنا لا ينتظرون".
المغزى: بار يُشكّل تهديدًا مستمرًا لأمن كل إسرائيلي. المشكلة: أن التهديد الأكبر، وبفارق شاسع، هو نتنياهو نفسه. وهو مُحق حين يشير إلى أن "سباق الإفادات" أمر غير لائق. لكن صياغته لهجوم غاضب، متذمر، مكتظ بالألاعيب والمماحكات، بدلًا من وقف المجازر في غزة وإعادة الرهائن إلى ديارهم، هو الدليل الأول ضده.
المصدر: هآرتس
الكاتب: غرفة التحرير