الأحد 13 نيسان , 2025 04:08

أجواء إيجابية في مسقط، هل ستنجح المفاوضات النووية؟

الوزير عباس عرقجي في مسقط

تراجعت لغة التهديد بصورة مفاجأة، وخفتت أصوات طبول الحرب الأميركية الإسرائيلية، وباتت الدعوات الى التفاوض طاغية على المشهد، ذلك في لحظة استراتيجية وحساسة للمنطقة وإيران، فما الذي دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لهذا التغيير المفاجئ، وهو الذي مزق الاتفاق النووي عام 2018 ووصفه بالسيء؟، هل ابتلع التاجر الأميركي في البيت الأبيض الطُعم الإيراني بالحديث عن مفاوضات تجارية واقتصادية؟ أم ان استعراض الجمهورية الإسلامية في إيران أوراق القوة لديها، وإبلاغ من يعنيهم الأمر (المسؤولين الأميركيين والخليجيين) ان الخيار العسكري سيكون كارثياً ومكلفاً، وسوف يشعل المنطقة برمتها، وأن الخيارات جميعها على الطاولة بما فيها القنبلة الذرية، دفع بترامب لاستدعاء نتنياهو بصورة مفاجأة الى واشنطن، وفرملة اندفاعته وتحريضه للحرب على إيران، وإذلاله حسب معظم الاعلام العبري، وجعل من مفاوضات العاصمة العُمانية مسقط جدية وإيجابية كما وصفها المفاوضون؟

قوة التفاوض الإيرانية وملوكها

عُرف عن الإيرانيين أنهم يتقنون التفاوض ولعبة الشطرنج، بل كانوا ملوكها، حيث بدأوا باستخدام ورقة قوة جديدة هي سلاح الدبلوماسية والتفاوض الذي كتب عنه الوزير عرقجي في كتابه الشهير "قوة التفاوض"، واستطاعوا فرض شروطهم على الأميركيين، اولاً بان تكون المفاوضات غير مباشرة، وثانياً أن تحدد إيران جدول أعمال المفاوضات حيث لا تتجاوز الموضوع النووي الى مواضيع أخرى ومنها ملفات المنطقة. بالطبع القيادة الإيرانية لا تريد الحرب ولن تكون البادئة فيها، ومع أنها تجهزّت لها، ورفعت أعلى مستوى الجهوزية القتالية لقواتها المسلحة (حرس الثورة والجيش)، وحرّكت أصولها العسكرية، وفتحت أبواب مدنها الصاروخية، الا انها أيضا تعمل على سد الذرائع وإلقاء الحجة، للداخل الإيراني وللرأي العام العالمي بأننا نقوم بواجبنا من خلال المفاوضات أما إذا فشلت بسبب تعنت الطرف الآخر الأميركي حينها ستصبح الشرعية مكتملة لإيران بالحق في الدفاع عن نفسها، والذهاب الى كل الخيارات الأخرى المتاحة.

عرقجي بصلاحيات كاملة من القائد الخامنئي

في الثاني عشر من نيسان/ ابريل 2025 بدأ رئيس الدبلوماسية الإيرانية عباس عرقجي أولى جلسات التفاوض النووية مع الولايات المتحدة الأميركية في العاصمة العُمانية مسقط، بصلاحيات كاملة، وبتفويض من قائد الثورة الإسلامية وفق رئيس الأركان اللواء باقري، مفاوضات لم تكن الأولى بين الطرفين ولم تخرج عن سياقاتها التاريخية رغم أهمية اللحظة الراهنة، فالإيرانيون تفاوضوا  مع الأميركيين غير مرة في العراق، وفي فيينا في إطار السداسية الدولية 5+1 بشكل مباشر وغير مباشر،  الصلاحيات الكاملة التي مُنحت للوفد الإيراني المفاوض من القائد الخامنئي تحت سقف واضح وشفاف هو وقف الحصار الأميركي وإنهاء العقوبات الاقتصادية. بالطبع على ان لا يكون التفاوض من اجل التفاوض والتقاط الصور فحسب.

(التفاوض مع الشيطان الأكبر ليس حراماً ولا مكروهاً، فكما ان الرسول تفاوض مع  اليهود وعقد معهم معاهدة صلح لكن لم ينتقص ذلك من رسالته او نبوته او عصمته، فان تفاوض ايران مع أمريكا لن يمس بمبادئ او جوهر النظام الإسلامي الذي وضع أسسا واضحة لسياساته الخارجية، فهو يريد علاقات دبلوماسية طبيعية مع كافة دول العالم على أساس الاحترام المتبادل وحفظ السيادة الوطنية، باستثناء "إسرائيل" حيث لا تعترف طهران بشرعية هذا الكيان المحتل لفلسطين).

نجاح لافت لأولى الجلسات النووية في مسقط

الجلسة الأولى في مسقط كانت إيجابية وكان الحوار غير المباشر عبر أوراق نقلها وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي للطرفين بناءً، على ان تُعقد الجلسة الثانية يوم السبت القادم 19 نيسان/ ابريل، فماذا تريد طهران وماذا تريد واشنطن؟

-تفاوض طهران الحريصة على عدم وقوع الحرب الشاملة على أمور ثلاثة رئيسية هي:

1-الوصول الى مليارات الدولارات من الأصول الإيرانية المجمدة في الخارج.

2-رفع القيود المفروضة على صادرات النفط الإيرانية.

3-إلغاء او تجميد العقوبات الاقتصادية المرتبطة بالبرنامج النووي السلمي.

أما واشنطن وعلى الرغم من رفع أسقف مطالبها الى أعلى المستويات بما فيها تفكيك البرنامج النووي الإيراني على غرار النموذج الليبي، ومناقشة البرنامج الصاروخي الإيراني وعلاقة طهران مع حلفائها في محور المقاومة وسلاحهم الامر الذي رفضته طهران بشكل قاطع ونهائي، إلا انها تريد التفاوض على أمور رئيسية هي:

1-ضمانات إيرانية بعدم الذهاب الى امتلاك قنبلة ذرية، لا سيما بعد وصول إيران الى العتبة النووية وهي قادرة على تصنيع السلاح الذري خلال أسبوعين (وفق خبراء غربيين)، لكنها ما تزال ملتزمة بفتوى التحريم الصادرة عن المرجع الامام السيد علي الخامنئي.

2-تجميد او تخفيف نشاطات البرنامج النووي الإيراني، ومنها العودة الى تخصيب اليورانيوم من نسبة نقاء 60% الى ما دون ال 6%، تعطيل الجيل الخامس والسادس من أجهزة الطرد المركزي (سانترفيوج)، نقل غاز اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء عالية من إيران الى الخارج (إيران تمتلك نحو 350 كيلوغرام منه)، تعطيل انتاج الماء الثقيل من منشأة آراك النووية، ورقابة صارمة من مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية (محل نقاش وخلاف بين الأميركيين والأوربيين) ...

3- عقد اتفاقات شراكة اقتصادية مع إيران عبر السماح لشركات أميركية بالاستثمار في الأسواق الإيرانية الضخمة، لا سيما في مجالات النفط والغاز والليثيوم ومناجم المعادن النادرة التي تم اكتشافها مؤخرا، وصولا الى بيع الطائرات المدنية والتجهيزات التكنولوجية التي تحتاجها طهران، وقيل ان العقود التي يسعى اليها الأميركيون بمئات مليارات الدولارات التي يستفيد منها الطرفان.

رغم جرعة التفاؤل الامام الخامنئي لا يثق بالجانب الأميركي

بدا واضحاً من خلال ما تسرب من معلومات وظهر من مواقف بعد جلسة مسقط الأولى التفاوضية - في الظاهر - ان الطرفين يرغبان باتفاق نووي جديد، لا سيما ان اتفاق آلية العمل المشتركة بين إيران ودول 5+1 في 14 تموز / يوليو عام 2015 مدته عشر سنوات وينتهي بعد أشهر في أيار / يوليو القادم. ورغم ان الإمام الخامنئي أظهر في خطاباته غير مرة عدم تفاؤله بنتائج الحوار بين طهران وواشنطن لا سيما مع الإدارة الحالية ورئيسها ترامب الذي مزق الاتفاق النووي، وان الأميركي حسب التجربة لا يلتزم بمواثيقه وعهوده، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، الا انه أراد إعطاء الفرصة قد تكون الأخيرة للحوار، وأيضا للحكومة الإصلاحية التي ترى إمكانية الوصول الى تفاهم مع الغرب حول البرنامج النووي، فثمة شبه إجماع في إيران على هذه المفاوضات، التي قد تخفض مستوى التوتر في المنطقة، ويعتقد بعض الإيرانيين انها قد تنعكس إيجابا على كافة دول الإقليم بما فيها لبنان وفلسطين والعراق واليمن وغيرها. وقد أظهر المندوب الأميركي الى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف من خلال رسائل متبادلة عبر وسطاء مع الجانب الإيراني قبل مفاوضات مسقط رغبته ليس فقط للتوصل الى اتفاق، بل الذهاب الى طهران، الأمر نفسه ينسحب على الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي بعث برسائل في ولايته الأولى والثانية بانه يرغب بلقاء قائد الثورة الاسلامية الامام السيد علي الخامنئي.

لسائل ان يسأل لماذا تراجع ترامب او لماذا تراجعت طهران، وجلسوا على طاولة التفاوض غير المباشرة؟ ربما لأن ترامب تاجر ويريد صفقة رابحة مع ايران، وهو يدرك تماما بان الحرب مع الجمهورية الإسلامية خاسرة وستكلفه مليارات الدولارات، وخسائر اقتصادية وبشرية هائلة، وتداعيات إقليمية ودولية، خسارة ستنعكس سلباً على صورة أمريكا في العالم وتشجع أعداءها لا سيما الصين التي تتحين الفرصة المناسبة للدخول الى تايوان، فيما مشهد العجز الأميركي في اليمن الذي يستنزف قدراتهم العسكرية والمالية، وهيبة أمريكا "العظمى" ما يزال يلقي بثقله على الإدارة العسكرية والسياسية الأميركية، كذلك الأمر في أوكرانيا التي ظهر ان إيقاف الحرب فيها يحتاج الى جهد طويل وهي تستنزف أيضاً أوروبا وامريكا ومخازن الأسلحة والذخائر، وتضعف أمريكا والمعسكر الغربي في أي مواجهة عسكرية محتملة مع الصين، اما إيران فهي لا تريد الحرب لأن نتائجها ستعود بالضرر على المنطقة ودولها، وطهران لم تتوقف يوماً عن الحوار والتفاوض، بل ترجح الخيار الدبلوماسي، والاتفاق على قاعدة رابح رابح، ومن ترك طاولة المفاوضات هم الأميركيون وها هم الآن قد عادوا اليها.
هل ستبيع إيران حلفاءها؟

ثمة سؤال يطرحه الاعلام الآخر في محاولة للتشكيك بالجمهورية الإسلامية، وإيجاد شرخ بينها وبين حلفائها والمقاومات في المنطقة، إلا ان التجربة أثبتت انه في كل المحطات الخطيرة والضغوط التي تعرضت لها طهران أنها لم تتخلى عن حلفائها، وهي أبلغت الأميركيين عبر وسطاء ان أي نقاش لملفات المنطقة ينبغي ان يكون بحضور الأطراف المعنية في هذه الدول، اما سلاح المقاومة في لبنان والعراق وقرار أنصار الله بمواصلة إسناد غزة فهو شأن هذه القوى، وإيران لن تمارس أي ضغوط عليها، بل هي تتحمل منذ عقود من الزمن الحصار والعقوبات والضغوط نتيجة دعمها المتواصل للمقاومة، وهي ترفض فك ارتباطها مع فلسطين مهما كان الثمن.

سيناريوهات المواجهة بين إيران وأمريكا؟

المفاوضات الإيرانية الأميركية في مسقط نجحت بنشر موجة تفاؤلية، وأعطت جرعة أمل إيجابية لشعوب المنطقة، فهل يُكتب النجاح للمفاوضات التي رسم لها الأميركيون سقفاً زمنياً (شهرين او ثلاثة)؟ ووضع لها الإسرائيليون جدولاً زمنياً (أسبوعين او ثلاثة) حسب الاعلام العبري؟ هل تتراجع واشنطن امام واقع إيران القوية ومصالح أمريكا الاقتصادية والتجارية؟ وهل يبقى نتنياهو مردوعاً بقرار أميركي؟ أم انه يمارس مع الأميركي خداعا استراتيجيا، في مواجهة إيران ومحور المقاومة؟

ثمة سيناريوهات خمسة مفترضة هي:

-نجاح المفاوضات مما يعيد بعض الاستقرار والهدوء الى المنطقة.

-فشل المفاوضات والعودة الى سيناريو العقوبات والتهديدات المتقابلة.

-أثناء المفاوضات تنفذ اسرائيل عدوانا جويا على إيران، ضمن سياق الخداع الاستراتيجي وتقسيم الأدوار بين اسرائيل وأمريكا، فالأولى تنفذ العدوان والثانية تتملص منه بذريعة أنها تجري مفاوضات ولا تنوي التصعيد والحرب وهذا السيناريو الأخطر حيث يستغل الاسرائيلي عنصر المفاجاة.

-فشل المفاوضات والذهاب الى توجيه أمريكا وإسرائيل ضربة جوية لمنشآت إيران النووية، وعلى الفور ترد إيران باستهداف منشآت إسرائيل النووية والقواعد الأميركية.

- فشل المفاوضات وانطلاق حرب شاملة ومدمرة بين إيران والحلف الأمريكي الإسرائيلي، بالطبع ستنخرط فيها دول عدة في المنطقة. هذه الحرب من المرجح أن تكسر الهيبة الأميركية ولا تُخضع إيران، هذه الدولة في موقعها الجيوبوليتيكي، ومساحاتها الشاسعة (مليون و600 ألف كيلومتر)، وسيطرتها على المسطحات المائية الكبيرة والمضائق الحيوية والاستراتيجية (مضيق هرمز)، وقدراتها العسكرية الهائلة، وقيادتها الحكيمة والشجاعة، عندها قد تتغير موازين القوى وينزل الأميركي والإسرائيلي عن الشجرة، كرهاً أو طوعا.


مرفقات


الكاتب:

د. محمد شمص

-إعلامي وباحث سياسي.

- استاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية.

-دكتوراه في الفلسفة وعلم الكلام.

- مدير ورئيس تحرير موقع الخنادق الالكتروني. 

mshamass110@yahoo.com




روزنامة المحور