السبت 12 نيسان , 2025 01:18

ممر داوود: حقيقة تثبتها الوقائع

نتنياهو في الأمم المتحدة وكتاب إسرائيل شاحاك

يشكّك البعض بوجود خطة في الكيان المؤقت تسمّى "ممر داوود"، انطلاقاً من غياب هذا المصطلح من وسائل الإعلام الإسرائيلية، إلّا أن الوقائع الميدانية وتصريحات مسؤولي إسرائيل وحتى أمريكا والتجارب والمصادر التاريخية، كل ذلك يعزّز من إمكانية وجود مثل هكذا مشاريع توسعية احتلالية.

كما يجب التذكّر دائماً، بأننا أمام كيان احتلال يفرض رقابة عسكرية مشدّدة، على وسائل الإعلام الإسرائيلية والأجنبية، تحدّد لهم ما يحظر عليهم نشره والتحدّث عنه. وهذا ما قد يفسر غياب هذا المصطلح في أوساطهم، وعليه فإنه لا بد الحذر دائماً من إسرائيل ومخططاتها ما أُعلن عنه أم لم يُعلن لكن وقائع الميدان تشي به.

وفي جانب متصّل، يُتداول إعلامياً في عالمنا العربي والإسلامي بهذا المصطلح منذ منتصف العام 2024، مثل CNN Turk ووكالة قدس للأنباء وموقع الميادين وصحيفة رأي اليوم ووكالة تسنيم وقناة العالم والعربي الجديد، وغيرهم الكثير.

فما هو الأصل لهذا المشروع؟

"ممرّ داوود" حُلم إسرائيلي، بدأت تتكشّف ملامحه بعد أحداث السابع من أكتوبر والتي أظهرت حجم الأطماع والخطط الاستراتيجية الإسرائيلية التي تهدف إلى تكريس التغيير الديمغرافي والجغرافي في المنطقة عبر تحقيق التوسع الصهيوني والسيطرة على مناطق واسعة تمهيدًا لتحقيق حلم "إٍسرائيل الكبرى"، الذي يتضمن توسيع حدود دولة الكيان لتشمل أراضي إضافية تتجاوز الحدود التي تم تحديدها في اتفاقيات ومعاهدات السلام. وبالتالي، يشكّل "ممر داوود" حجرًا أساس يقوم على إنشاء ممر بري يمتد من الجولان السوري المحتل مرورًا بالجنوب السوري، وصولًا إلى مناطق سيطرة الأكراد في شمال سوريا، ثم إلى كردستان العراق، وهو يهدف إلى ربط الأراضي المحتلة بالعراق عبر الأراضي السورية. وعليه، يمثّل المشروع جزءًا من استراتيجية صهيونية أوسع تهدف إلى تعزيز النفوذ والهيمنة الإقليمية في المنطقة. إلّا أن هذا المشروع قد يواجه تحديات كبيرة على الصعيدين المحلي والإقليمي التي قد تعيق عملية تنفيذه.

وفي العام 1982، خرج كاتب إسرائيلي يُدعى، عوديد ينون، بخطة تفيد بتقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات وكيانات صغيرة تفرّقها الأعراق والأديان والطوائف. الخطة ذاتها أعاد برنارد لويس التذكير بها حيث أكّد عل أن هذا الحل سيكون الأنسب للكيان وضمان أمنه واستقراره، وهذه الدول التي يفرّقها الدين والعرق سيجمعها تعاون اقتصادي مركزه "إسرائيل" وفق خطة شمعون بيريز، الرئيس الأسبق للكيان المؤقت، التي طرحها في كتابه الصادر عام 1993، وحمل عنوان "الشرق الأوسط الجديد". وانطلاقًا من هذه الأفكار، ولدت خطة أو فكرة أو مشروع يسهم بربط هذه الكيانات، عُرف باسم "ممر داوود"، وهو طريق نافذ اقتصادي بالدرجة الأولى سيخرج من الكيان حتى يحطّ على ضفاف نهر الفرات وسيوحّد الدول التي من المفترض أن فرّقها الدين والعرق. وبحسب الخريطة، ستكون نقطة الانطلاق من الجولان الذي يحتلّه الكيان ويعتبره جزء من أراضيه، ثمّ سيمرّ الطريق المفترض بمحافظة القنيطرة جنوب سوريا ثم جارتها محافظة درعا ثمّ محافظة السويداء، جنوب سوريا أيضًا، وسيتخطّاها وسيظلّ بمحاذاة الحدود السورية الأردنية أي في المناطق الصحراوية التي تعتبر جزءًا من حدود محافظة حمص السورية وصولًا لمدينة التنف الواقعة في مثلث الحدود السورية-الأردنية-العراقية، ثمّ سيتابع طريقه عبر محافظة دير الزور السورية، ليحطّ رحاله عند معبر البوكمال وهو المعبر الذي يفصل سوريا عن العراق أي البوابة بين الطرفين.

وما هو سبب تسميته بهذا الاسم؟

وفقًا للأدبيات الصهيونية، فإن "داوود" المعروف، كنبي المسلمين، يتعامل معه الإسرائيليون كملك ومؤسس لما يسمونه "مملكة إسرائيل الكبرى" التي كانت تمتدّ على فلسطين وما حولها وفق ادعائهم، ومن التسمية يمكن إدراك أن هذا المشروع هو جزء من حلم إسرائيل المعروف باسم "إسرائيل الكبرى".

وما هو مساره؟

يبدأ المسار من الجولان الذي يريد الكيان إثبات أنه أرض إسرائيلية والذي هو وفق الأمم المتحدة تعتبر أرض محتلّة، ثم القنيطرة وجارتها درعا، محافظات الجنوب السوري، كما والسويداء ذات الغالبية الدرزية والتي أُشيع مؤخرًا العديد من الأخبار والأنباء عن مصيرها، حيث خرج نتنياهو بنفسه للقول بأنها تحت الرعاية والحماية الإسرائيلية، بل إن الإسرائيليين يفكرون بجعل السويداء عاصمة لدولة جديدة مفترضة في الجنوب السوري والتي تتكوّن من المحافظات الجنوبية (القنيطرة، درعا، السويداء)، وهنا يتقاطع المشروع مع خطة ينون التي تفترض تقسيم سوريا, وبالنسبة لبقية المسار، فبعد أن يتخطى الممر هذه المحافظات سيتابع طريقه نحو مدينة التنف التي تحوي على أكبر القواعد الأمريكية في سوريا والمدينة كلها تحت الوصاية الأمريكية وحمايتها، لذا لن يجد الكيان مشكلة بمرور الطريق فيها، كما أن التنف هي ضمن حدود الدولة الثانية المفترضة في سوريا أي الدولة الكردية، والتي تشكّل دير الزور جزءًا منها فضلًا عن مدينة البوكمال التي سينتهي الممر عندها. إذًا هذا المسار ليس عبثيًا تم اختياره والتخطيط له بعناية حيث لن يمرّ بسوريا بل بالدول التي من المفترض أنها ستنفصل عنها بقيادة كل من الكرد والدروز، وهاتان الدولتان، وفق خطة ينون، إحداهما مبنية على أساس عرقي (دولة الأكراد) والثانية على أساس طائفي (دولة الدروز).

وما هي الفوائد المتوخاة منه؟

إن هذا الطريق لا يقف فقط على أنه يتضمن رمزيًا المرور بخارطة ما تسمّى "إسرائيل الكبرى"، وإنما ينطوي على فوائد عديدة، خاصة على المستويات الأمنية، الاقتصادية والاستراتيجية:

_اقتصاديًا:

أ)هذا الطريق سيتضمن خطًّا لنقل النفط من المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية المسلّحة المعروفة باسم قوات "قسد"، والتي يحلم الأكراد بأن يمرّ هذا النفط من طريق لا يمرّ عبر الأراضي السورية ولا يصل لموانئها.

ب)هذا الطريق الواصل لنهر الفرات فهو جزء من الصراع القادم في العالم على المياه العذبة وهو صراع مؤجل، وبلا شك الكيان يريد تأمين مستقبله من المياه، ونهر الفرات سيكون أحد مصادرها.

ج)أهمية تجارية، كون هذا الطريق سيؤمّن تبادل السلع والبضائع مع الدول الجديدة المفترضة بل وحتى عمق آسيا أي تركيا وأذربيجان وهي دول بينها وبين تل أبيب تبادل تجاري كبير.

_أمنيًّا:

أ)يقطع هذا الممرّ أوصال بلاد الشّام ويمهّد لتفتيت هذه الدول ويجعل لا منافس للكيان في المنطقة، كما يقطع الطريق على إيران في حال فكّرت في العودة لوصل طهران ببيروت.

ب)ربط الكيان بالفرات، وتطويق الحدود العراقية، كما وتعزيز من قوة الكيان العسكرية، وتوسيع دوره الإقليمي، بصورة تشكّل ضغطًا كبيرًا على العراق ثم تركيا.

ج)يضع هذا الممرّ الكيان بموقع قوي للمفاوضة على نصيبٍ من المشروع الأكبر المرتقب أي مشروع "خط الغاز القطري لأوروبا" والذي حتمًا حتى يكمل طريقه من قطر لتركيا لا بدّ أن يقطع ممرّ داوود، ما يعني أن الكيان يريد نصيبًا ويريد موقعًا يجعله - قلب المنطقة – الذي يريد إعادة ترتيبها لتكون شرقًا أوسط جديدًا أشبه بأوروبا جديدة، تل أبيب مركزها وفق ما يخططون.

د)تعبئة الجمهور للحروب المستقبلية، وتوفير المبررات الكافية لزيادة الإنفاق العسكري بدلًا من قطاعات أخرى، مثل التعليم والصحة.

ه)سيسمح الممر للكيان بضم أراضٍ جديدة وتشكيل تهديدات أمنية لسوريا والعراق في أراضيهما. كما أن التواجد على الحدود العراقية سيسمح لإسرائيل بشن عمليات عسكرية أو غارات جوية ضد "الجماعات الشيعية"، مثل قوات الحشد الشعبي التي تدعمها إيران.

و)سيسمح الممر الجديد للكيان بتشكيل تحديات سياسية وعسكرية لتركيا.

ي)من شأن هذا المشروع أن يجعل الكيان مرنًا سياسيًا في مواجهة التحديات العسكرية الخارجية النابعة من الدول المجاورة من خلال منحها نفوذ استخدام الأقليات في سوريا مثل الدروز والأكراد كوكلاء.

_استراتيجيًا:

أ)إن هذا المشروع بمثابة تأمين ممرًّا استراتيجيًا للكيان.

ب)تحقيق رؤية "إسرائيل قلب المنطقة".

ج)الممر سيتحول إلى قناة استراتيجية تخدم الأجندات الصهيونية.

ملامح تنفيذ المشروع

أ)تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في شهر آب الماضي حين قال: "إن مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخارطة، ولطالما فكّرتُ كيف يمكن توسيعها". وعن القناة "كان" التي أشارت إلى أنّه قدّم وعدًا بأنه سيقدم للكيان الدعم الذي يحتاجه للانتصار، وقال: "لكنني أريدهم أن ينتصروا بسرعة".

ب)في أيلول الماضي، وقف نتنياهو في الأمم المتحدة وعرض خريطتان، لوّن إحداهما بالأخضر وسمَّاها "الخريطة المباركة"، وقد وصفها بأنها خريطة تربط الشرق بأوروبا بشكل يعِد بالازدهار والسلام، وخريطة أخرى لوّنها بالأسود وسمَّاها "الخريطة الملعونة" والتي ضمَّت إيران، والعراق، وسوريا، ولبنان وأجزاء من اليمن. وبالتالي، فإن الخريطة الخضراء تضم تنفيذ مشروع "ممر داود" في الجنوب السوري، والذي يسهم في تحقيق النبوءة التوراتية، "الدولة اليهودية الكبرى"، ما يعكس تحولًا خطيرًا نحو توظيف الدين كأداة لتبرير سياسات الاحتلال والعدوان. لذلك، شكّل سقوط نظام الأسد فرصة ذهبية لن تتكرّر لنتنياهو للشروع في المشروع التوراتي المزعوم.

ج)تركيز إعلامي تركي على النوايا الإسرائيلية حول هذا المشروع منذ شهور عدّة، حيث حذّرت الصحف من تنفيذ هذا المخطط الذي يقتطع من سيادة سوريا، ويطوق الحدود العراقية، ويدنو من الحدود التركية.

د)سقوط نظام الرئيس بشار الأسد الذي رافقه توغل جيش الاحتلال في المنطقة العازلة، وإعلان الكيان انسحابه من اتفاقية "فض الاشتباك" الموقّعة مع الحكومة السورية عام 1974 والسيطرة على جبل «الشيخ» الاستراتيجي.

ه)إقدام جيش الاحتلال على تنفيذ عددًا كبيرًا من الغارات الجوية التي تجاوزت الـ 750 غارة، والتي أسفرت عن تدمير سلاح الجو السوري بالكامل، من طائرات مقاتلة ومروحيات هجومية وطائرات مُسيّرة، وحظائر الطائرات، ورادارات، ومنصات ومخازن صواريخ الدفاع الجوي بكل أنواعها. كما وتدمير سفن الأسطول البحري، مع سعي الكيان للقضاء على سلاح البحرية بالكامل، والقواعد العسكرية ومراكز البحوث العلمية، ومواقع الصناعات العسكرية، والهدف تجريد سوريا من جيشها وسلاحها، ما يخدم تنفيذ الكيان لمشروعه بسرعة ودون عوائق.

و)تركيز جزء من الضربات على منطقة السويداء.

ز)محاولة الكيان إنشاء ممرّ داوود في الأراضي السورية ومن خلال دعم المكونات الانفصالية في شمال شرق سوريا، والتي تتواجد على الحدود المباشرة مع تركيا، وفق المحلّل التركي مهند أوغلوا.

ح)يعبّر الكيان بوضوح عن نواياه ومشروعه، من خلال كلام نتنياهو في السرّ والعلن، إلى كلام غيره من المسؤولين الإسرائيليين الذين يتحدثون عن الفيدرالية في سوريا، أو عن إقامة دويلات أو تكريس مناطق ذات حكم ذاتي.

ط)سعي الكيان لتزكية كل أشكال الصراع أو الفرقة أو الانقسام والتشرذم داخل المجتمع السوري، من خلال اللعب على تضارب المصالح والاتجاهات لدى المكونات المختلفة، ولا سيما الأكراد، الدروز، والعلويين.

ي)السعي الإسرائيلي لتحويل جنوب سوريا إلى منطقة مشابهة لجنوب لبنان، أي ألا تكون منطلقًا لتنفيذ عمليات عسكرية ضد الكيان.

ك)شق الكيان طريق بطول ثماني كيلومترات جنوب شرق قرية مجدل شمس وعلى امتداد خط ألفا.

ل)المواقف الإسرائيلية التي تتحدث عن حماية الدروز أو الأكراد، بشكل يسهم في ضرب الوحدة وطنية السورية. وهو ما تسعى إليه تل أبيب من خلال استخدام القوة العسكرية، والإغراءات السياسية أو المالية، حيث أصبح واضحًا السعي الإسرائيلي إلى دعم مشاريع "الإدارة الذاتية" في المناطق المختلفة، ولا سيما لدى الدروز والأكراد، والذي قد يتوسّع لاحقًا. 

مخاطر المشروع وتداعياته على المنطقة

1)تأجيج مواجهات عسكرية جديدة بين القوى الإقليمية الكبرى وزعزعة استقرار المنطقة بأسرها.

2)تهديد وحدة سوريا والدفع نحو تقسيمها لكيانات عرقية وطائفية وتأجيج الصراعات الداخلية، وهذا ما بدوره سيؤثر على العراق ولبنان أيضاً.

3)تبرير التوسع الصهيوني دينيًا وتوراتيًا، لإضفاء الشرعية على كل السياسات العدوانية، وبالتالي المنطقة أمام المزيد من القتل والتدمير والتهجير.

4)تغيير خريطة الشرق الأوسط بما يخدم مصالحه سواء عبر القوة أو عبر شراء الأراضي أو الاستحواذ التدريجي.

5)الحروب ذات الطابع الفتنوي ستطال دول المنطقة ككلّ.

6)خسارة مصر وسوريا والعراق ولبنان والكويت والسعودية والأردن وفلسطين وتركيا جزء من أراضيها في ظل السعي الصهيوني لتحقيق حلم "إسرائيل الكبرى".

7)استحواذ الكيان على موارد المنطقة والتحكم بها، حيث تمتّع المنطقة التي يستهدفها هذا الكيان لإنشاء "ممر داوود" بأراض زراعية خصبة وغنية بالموارد المائية والنفطية.

8)تعزيز النزعات الانفصالية في تركيا وتهديد استقرارها.

ثالثاً: من هو عوديد ينون وما هي علاقته بالموضوع؟

يعدّ عوديد ينون من أبرز المنظّرين لهذا المشروع ولغيره من قضايا الصراع (الحرب النفسية). وكان يشغل إحدى الوظائف في وزارة الخارجية للكيان، وقد ذكر اسمه في العديد من الكتب، إلا أنه لا يزال شخصية غامضة على مواقع الانترنت، بحيث لا يُمكن بسهولة الحصول على معلومات عنه.

وأبرز الكتب التي ذكرته:

_وفقاً لكتاب مذكّرات رئيس الوزراء الروسي يفغيني بريماكوف "روسيا والعرب" باللغة الإنكليزية صفحة 201، فإن عوديد ينون هو مسؤول سابق بارز في وزارة الخارجية الإسرائيلية.

 

_ كتاب إسرائيل شاحاك: الخطة الصهيونية للشرق الأوسط

الذي يعتمد على وثيقة كتبها باللغة العبرية عوديد ينون، ونُشرت في مجلة "كيفونيم" (اتجاهات)، وهي مجلة لليهودية والصهيونية؛ العدد 14 - شتاء، 5742، شباط / فبراير 1982.

_كتاب نظريات المؤامرة في الولايات المتحدة والشرق الأوسط: دراسة مقارنة

ص94:

"أعطى الغزو الإسرائيلي الثاني للبنان في يونيو/حزيران 1982، المسمى "عملية سلام الجليل"، زخمًا جديدًا لنظرية مؤامرة التقسيم. وُزّعت العديد من الوثائق الإسرائيلية التي تتوخى بلقنة لبنان والشرق الأوسط بأكمله، لا سيما في الولايات المتحدة وفرنسا، ثم في الصحافة اللبنانية لاحقًا. من أشهرها مقال عوديد ينون، الصحفي وصانع السياسات الإسرائيلي، المكتوب بالعبرية بعنوان "استراتيجية لإسرائيل في ثمانينيات القرن العشرين". نُشر في مجلة "كيفانيم" الصهيونية في فبراير/شباط 1982.53 لم يلقَ المقال، الذي يُعدّ بمثابة ورقة سياسات، رواجًا في العالم العربي حتى قدّم إسرائيل شاحاك ترجمةً إنجليزيةً ومقدمةً له، بعد الغزو الإسرائيلي بفترة وجيزة. في مقدمته، اقتبس شاحاك عن زئيف شيف، المراسل العسكري لصحيفة هآرتس، قوله إن "أفضل" ما يمكن أن يتحقق للمصالح الإسرائيلية في العراق هو "تفكيك العراق إلى دولة شيعية ودولة سنية وانفصال الجزء الكردي". وعلى نفس المنوال، يدعو ينون إلى تحفيز المشاعر القومية الدينية الإثنية التخريبية، والتي تهدف في نهاية المطاف إلى إنشاء كيانات دون وطنية (علوية، ودرزية، وكردية، وموارنة، وقبطية، وما إلى ذلك) على أنقاض الدول القومية العربية.".

_كتاب War, Resistance and Counter-Resistance in Modern Times

ص 79: " في عام 1982، ابتكر عوديد ينون، أحد كبار مستشاري وزارة الخارجية الإسرائيلية، استراتيجيةً أكثر تطرفًا من "مبدأ شارون". اقترح ينون تحويل إسرائيل إلى قوة إقليمية من خلال تفكيك الدول العربية إلى مجموعات عرقية وطائفية يسهل على إسرائيل السيطرة عليها. وقد استلهمت هذه الاستراتيجية من ديك تشيني، وانعكست في رؤيته الشهيرة "لحرب دائمة لن تنتهي بنهاية حياتنا".

وتتمثل الاستراتيجية التي اعتمدتها الولايات المتحدة وإسرائيل، وفقًا لكوك، في خلق "فوضى منظمة" في جميع أنحاء المنطقة. وفي ثمانينيات القرن الماضي، كتب زئيف شيف، مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أن من مصلحة إسرائيل تفكيك الدول العربية إلى "دويلات متناحرة". فعلى سبيل المثال، يمكن تقليص العراق إلى دولة شيعية، ودولة سنية، ومنطقة كردية منفصلة. منذ هذا الإعلان، دأبت إسرائيل على تطبيق هذه الاستراتيجية في الأراضي الفلسطينية، إلى جانب أسلحة جديدة، وتكتيكات حرب المدن، وأساليب السيطرة على الحشود.

إلا أن هناك مشكلة واحدة في هذه الخطة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط. إن احتمالية تطوير دولة أخرى في الشرق الأوسط أسلحة نووية وتحدي الهيمنة العسكرية الإسرائيلية في المنطقة تُخيم على الخطة الإسرائيلية بأكملها.

وفي الوقت نفسه، سواءً أكانت واقعية أم لا، فقد حققت هذه الاستراتيجية أرباحًا كبيرة للعديد من الشركات، وساهمت في "المعجزة الاقتصادية" الإسرائيلية من خلال بيع الخدمات والمعدات ردًا على العنف في الداخل والخارج.".

كتاب: Israel After Begin

ص 43: "دول المواجهة (التي كان وزير الدفاع لديه خطط واضحة تجاهها: هجوم على لبنان، بهدف خلق نظام سياسي جديد هناك؛ هجوم على القوات السورية في لبنان؛ الإطاحة بالنظام الملكي في الأردن، إلخ)؛ (ب) الدول العربية الخارجية؛ (ج) دول خارجية أخرى يمكن أن تؤثر بشكل خطير على الأمن القومي الإسرائيلي من خلال وضعها وتوجهها السياسي. كان النطاق الجيوستراتيجي لشارون واسعًا للغاية:

يجب علينا توسيع نطاق مصالحنا الاستراتيجية والأمنية إلى ما هو أبعد من دول الشرق الأوسط والبحر الأحمر، بحيث يشمل هذا النطاق في ثمانينيات القرن الماضي دولًا مثل تركيا وإيران وباكستان، ومناطق مثل الخليج العربي وأفريقيا، وخاصة شمال ووسط أفريقيا. 55

عكست أفكار شارون تفكير عدد متزايد من الكُتّاب الإسرائيليين اليمينيين. كتب عوديد ينون، وهو صحفي وموظف سابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية، عام 1982 أن على إسرائيل تشجيع تفكك مصر ولبنان وسوريا والأردن والعراق والمملكة العربية السعودية ودول منطقة الخليج العربي. ينبغي أن يكون الهدف الأساسي لسياسة إسرائيل إنشاء العديد من الدويلات الصغيرة الضعيفة والعرقية في الشرق الأوسط: أربع في سوريا، وثلاث في العراق، واثنتان على الأقل في مصر، وهكذا. كان مقال ينون مرآةً حقيقيةً لأسلوب تفكير اليمين الإسرائيلي في ذروة حكم بيغن؛ فقد عكس شعورًا بالقوة غير المحدودة وغير المقيدة. أوصى ينون باستعادة سيناء، وإسقاط النظام الملكي الأردني، وإجراءات مماثلة.".


مرفقات


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور