الهستدروت الإسرائيلي، هو اتحاد النقابات العمالية في الكيان المؤقت، يمثّل جزء من الدولة العميقة في الكيان، وأحد أركان تأسيسه. تأسس الهستدروت في العام 1920، وكان له دور مركزي في بناء المؤسسات الصهيونية قبل وبعد قيام الكيان. يهدف الهستدروت الإسرائيلي إلى تشكيل اتحاد للعمال والفلاحين دون التدخل في شؤون الآخرين، وتعمل المنظمة على دعم الاستيطان وبناء مجتمع عمال يهودي. ومن الأهداف الأخرى دعم الهجرة اليهودية وتوطين المهاجرين والسيطرة على فلسطين وإقامة اقتصاد مزدهر فيها. وتعمقت قوة الهستدروت في الأوساط العمالية اليهودية وغدت من أقوى الهيئات الداعمة للمشروع الصهيوني.
يوم الأحد الماضي الأول من شهر أيلول/سبتمبر، دعا رئيس اتحاد نقابات العمال الهستدروت، أرنون بار ديفيد، إلى إضراب عام، بدعم شركات صناعية كبرى في الكيان ورواد أعمال في قطاع التكنولوجيا المتطورة. وجاءت الدعوة لتعكس الغضب العام الإسرائيلي من مقتل المحتجزين الستة، ومن استمرار حكومة نتنياهو في وضع العقبات أمام التوصل إلى صفقة تبادل.
ما هي أهم قطاعات الهستدروت؟
تتألف الهستدروت من نقابات عمالية ومهنية متنوعة تمثل قطاعات واسعة من العمال والموظفين والفلاحين وغيرهم. وتتصارع الأحزاب على القيادة في هذه النقابات والاتحادات العمالية.
فيعتبر الهستدروت أكبر جسم اقتصادي في الكيان، وأكبر مستخدم منفرد للعمال. يضمّ مجموعتين كبيرتين من المصالح الاقتصادية، المجموعة الأولى تضم التعاونيات التي تنقسم بدورها إلى نوعين أساسيين: المستوطنات التعاونية مثل الموشافيم والكيبوتسات، والتعاونيات الإنتاجية والخدمية التي تضم أكبر شركتين للمواصلات (إيجيد ودان).
والمجموعة الثاني تضم مجموعة شركات ضخمة تابعة لشركة العمال (الشركة الأم) في فروع الصناعة والبناء والتجارة والمصارف.
وتضم الهستدروت في عضويتها فئات متعددة ذات مصالح متضاربة في الغالب. فهو يضم في صفوفه، بالإضافة إلى العمال، الأغلبية الساحقة من الموظفين والمستخدمين في الحكومة وفي نشاطات القطاعين العام والخاص، وكل أعضاء الحركة الزراعية التعاونية (الكبيوتسات والموشافيم)، وشرائح مهنية واسعة تنتمي بوضوح إلى الطبقة الوسطى مثل: الأطباء، والمهندسين، والمحامين، والأكاديميين، والمعلمين... ويساهم الاتحاد بدور مهم جدًا في عملية التربية والتعليم وذلك من خلال الجهاز الرسمي والمؤسسات غير الرسمية. فهو يملك مؤسسات كثيرة لمختلف الأجيال، يختص معظمها بحقول تعليمية محددة.
ما هو دور الهستدروت:
كان لتحركات الهستدروت الإسرائيلية تأثيرات عميقة على الواقع السياسي في الكيان، خاصة في العقود الأولى من قيام "إسرائيل". فالهستدروت بقيت لعقود طويلة واحدة من أقوى مؤسسات الكيان، وكان لها تأثير كبير على تشكيله وسياساته، من خلال دعمها لحزب "المباي" وتحكّمها في الاقتصاد، إذ ساهمت بشكل مباشر في صياغة السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
ويعتبر الهستدروت الأداة الأساسية التي تعبِّر من خلالها التفاعلات السياسية في المجتمع عن قراراتها في مختلف نواحي الحياة، إذ أن التنظيم التشريعي والتنفيذي للهستدروت يتكون من ممثلين عن الأحزاب بحسب نسبة قوتها الانتخابية، وبالتالي فإن سياسات الهستدروت في النهاية ليست سوى انعكاس للتفاعل بين وضع الأغلبيات والأقليات الحزبية.
دعم الحركة الصهيونية وبناء المؤسسات:
- الهستدروت كأداة للاستيطان: كانت الهستدروت مسؤولة عن تأسيس العديد من المستوطنات، بما في ذلك الكيبوتسات والموشافات (قرى زراعية). هذه المستوطنات كانت بمثابة قاعدة اجتماعية وسياسية للحركة الصهيونية، حيث وفرت السكن والوظائف للمهاجرين اليهود وشكلت جزءاً أساسياً من المشروع الصهيوني.
- دور الهستدروت في تشكيل الهوية القومية: من خلال تعزيز العمل الجماعي والاشتراكي، ساهمت الهستدروت في تكوين هوية قومية يهودية تقوم على العمل الجماعي والمساواة، وهو ما كان يتماشى مع القيم الصهيونية في تلك الفترة.
السيطرة على الاقتصاد:
- الاقتصاد الاشتراكي: بعد قيام "إسرائيل" عام 1948، كانت الهستدروت تتحكم في جزء كبير من الاقتصاد الإسرائيلي من خلال الشركات والمؤسسات التي كانت تملكها، مثل بنك العمال وشركة البناء "سوليل بونيه". هذه السيطرة جعلت الهستدروت قوة اقتصادية مؤثرة، وكان لها دور كبير في تشكيل سياسات الدولة الاقتصادية.
- تأميم القطاعات الرئيسية: في السنوات الأولى لقيام الكيان، لعبت الهستدروت دوراً محورياً في تأميم العديد من القطاعات، مما عزز من نفوذها السياسي والاقتصادي.
تأثيرها على النظام السياسي:
- دعم حزب "المباي": كانت الهستدروت قريبة من حزب "المباي"، الحزب الحاكم في الكيان خلال السنوات الأولى لقيامه. فالعديد من قادة الهستدروت كانوا أيضاً من قادة "المباي"، مما جعل الاتحاد والحزب متداخلين بشكل كبير.
- المشاركة في الحكومة: على مر العقود، كان للهستدروت تأثير كبير على تشكيل السياسات الحكومية، خاصة فيما يتعلق بحقوق العمال والسياسات الاقتصادية. كانت الحكومة تعتمد بشكل كبير على الهستدروت في تنفيذ سياساتها الاجتماعية والاقتصادية.
الإضرابات والاحتجاجات:
- إضرابات العمال: نظمت الهستدروت العديد من الإضرابات الكبرى التي هزّت النظام السياسي في الكيان. على سبيل المثال، في السبعينيات والثمانينيات، نظّمت الهستدروت عدة إضرابات احتجاجًا على سياسات التقشف التي فرضتها الحكومة، مما أدّى إلى تراجع الحكومة عن بعض قراراتها.
- الاحتجاجات الاجتماعية: كانت الهستدروت وراء العديد من الحركات الاحتجاجية الاجتماعية، التي طالبت بتحسين ظروف العمل والأجور والحقوق الاجتماعية. هذه الاحتجاجات كانت تؤثر بشكل كبير على قرارات الحكومة وسياساتها.
الخصخصة وتراجع النفوذ:
في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ومع تحوّل الكيان نحو اقتصاد السوق الحر، بدأت الحكومة في خصخصة العديد من القطاعات التي كانت تحت سيطرة الهستدروت، ما أدّى إلى تراجع دورها في الاقتصاد والسياسة. وبالتالي، بدأت تتغير العلاقات بينها وبين الحكومة، فأصبحت الهستدروت أقل تأثيراً في تشكيل السياسات، وتحوّلت من قوة مهيمنة إلى مجرد اتحاد نقابي يهتم بحقوق العمال. ومع ذلك، عملت الهستدروت على دعم أحزاب سياسية جديدة تتماشى مع مصالح العمال، مثل حزب "ميرتس" واليسار الإسرائيلي وعملت على الحفاظ على قدرتها في التأثير والحشد في "المجتمع الصهيوني".
وعليه، تلعب الهستدروت، كأكبر منظمة نقابية، دوراً بارزاً في التأثير على الواقع السياسي في البلاد، عبر تأثيرها الكبير على السياسة الاقتصادية والاجتماعية. ويمكنها تحقيق تغييرات تطال المفاوضات، كما والضغط عبر الاحتجاجات والمظاهرات، وتأثيرات على التشريعات والانتخابات الإسرائيلية.
الكاتب: غرفة التحرير