هناك مقولة عادةً ما يذكرها العديد من كبار العاملين في الأجهزة الأمنية، بأن "الصحفي هو ابن عم الاستخباراتي، لكن ما يختلف بينهما هو الجمهور والمنتج". ولا يخفى على الكثيرين، بأن الأجهزة الاستخباراتية تستخدم الصحفيين أو الهوية الصحفية، كغطاء لأنشطتها التجسسية.
ولكن بعد انتشار خبر أسر المستوطنة الإسرائيلية "إليزابيث تسوركوف" في العراق، التي وُصفت بالباحثة السياسية، والتي نفّذت مهمات صحفية عديدة في العراق سابقاً، يمكننا اعتبار الباحث أيضاً كـ "ابن عم للاستخباراتي".
وبعد التدقيق أكثر في المعلومات والتفاصيل الكثيرة حول "تسوركوف"، يمكن حينها التقدير بأنها تمثّل الصفات الثلاث في وقت واحد. وعندها يحق القول بأنه تمّ أسر جاسوسة إسرائيلية في العراق منذ أشهر، بانتظار أن يتم مقايضتها بالأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية.
الرواية الإسرائيلية
قد يتبادر الى ذهن الكثيرين السؤال، حول لماذا انتظر رئيس حكومة الكيان المؤقت بنيامين نتنياهو أكثر من 3 أشهر، كي يعلن رسمياً عن اختفاء تسوركوف؟ وهذا ما يمكن الإجابة عليه بالفرضية التالية: ربما كي يعطي الوقت أمام جهاز الموساد لاكتشاف المعلومات حول الحادثة أولاً، خصوصاً حول الجهة المسؤولة عن تنفيذ عملية الأسر، ومن أجل إمكانية تحريرها من خاطفيها بعملية كوماندوس ثانياً. وبعدما فشلوا في المهمة الثانية، رضخ الكيان لفكرة البحث عن خيار يؤدي الى التفاوض، وهو ما لا يمكن بدؤه إلا من خلال الإعلان رسمياً عن حادثة أسر تسوركوف، وإتهام نتنياهو لكتائب حزب الله تحديداً بالمسؤولية عما وصفه بالاختطاف (ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت بأن سلطات الكيان استلمت ما يؤكد بأن تسوركوف ما زالت على قيد الحياة).
أمّا في المعلومات التي نشرتها الوسائل الإعلامية الإسرائيلية فهي كالتالي:
_أعلن مكتب نتنياهو أن "الإسرائيلية إليزابيث زوركوف، محتجزة في العراق من قبل مليشيا شيعية تسمى كتائب حزب الله. زوركوف أكاديمية وباحثة في شؤون سوريا والشرق الأوسط. وبحسب الإعلان، وصلت إلى العراق مستخدمة جواز سفرها الروسي للاستفادة من أطروحة دكتوراه وبحث أكاديمي نيابة عن جامعة برينستون في الولايات المتحدة.
وأضاف المكتب بأنهم "يرون أن العراق مسؤول عن مصيرها وسلامتها"، و "أن السلطات المختصة في إسرائيل هي التي تتعامل مع الحادث".
_ذكرت القناة 13 عن مسؤول كبير، بأن تقديراتهم تشير إلى أن "الخاطفين" علموا بأن إليزابيث تسوركوف "إسرائيلية"، مضيفاً بأنهم يقومون بالضغط على الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لإطلاق سراحها.
_ذكرت قناة كان التابعة لحكومة الكيان، بأنه وفقا لمسؤول سياسي كبير لم يتم نقل إليزابيث تسوركوف إلى إيران لكن هذا هو مصدر القلق عندهم. مضيفةً بأنه "على الرغم من أن المنظمة العراقية التي نفذت عملية الاختطاف مرتبطة ارتباطا وثيقا بإيران إلا أن إسرائيل تمتنع عن توجيه أصابع الاتهام إلى طهران".
ما لم يكشفه الإسرائيليون من معلومات
_كشف مصدر أمني بأن خلية مكونة من 3 نساء قاموا بأسرها من نادي رياضي وسط بغداد. فيما قالت مصادر أمنية عراقية رفيعة المستوى لـThe cradle أن "خاطفي تسوركوف كانوا يرتدون أزياء أجهزة أمنية عراقية رسمية".
_ في الـ 21 من آذار/ مارس 2023، سُجّلت آخر تغريدة لها من حسابها على موقع تويتر. وتضاربت المعلومات حول التاريخ الدقيق لاختفائها، فموقع أمواج البريطاني ذكر بأن الحادثة حصلت في عيد النوروز الماضي أي في 21 آذار / مارس، بينما ذكر موقع " The cradle" بأن الحادثة حصلت في 26 آذار / مارس، وأنها "اختُطِفَت" من منزل في حي الكرادة في العاصمة بغداد. كما أضاف بأن الاختطاف جرى بعد مجيئها من إقليم كردستان العراق.
_ أكّد مصدر مقرب من الحكومة العراقية لإحدى الوسائل الإعلامية اختفاء من وصفها بالصحفية الأجنبية في بغداد منذ ثلاثة أشهر، مضيفاً بأنها دخلت العراق بجواز سفر روسي، وبأنه لم يحصل أي تواصل مع الحكومة العراقية حولها.
_ نفت السفارة الروسية في بغداد وجود أي معلومات لديها بخصوص تسوركوف، ولا عن جنسيتها، ولا عما حدث لها في العراق (وربما هذا يدلّ على أن روسيا لا تريد التدخل إطلاقاً في هذه القضية).
_ من خلال صفحة التعريف على الموقع الالكتروني الخاص بها، تعترف بأنها تستند في بحثها "إلى الرغبة في فهم ونقل وجهات نظر وخبرات الناس في الشرق الأوسط، وإبراز الانتهاكات التي يرتكبها الفاعلون الأقوياء، سواء كانت أنظمة دكتاتورية أو جماعات مسلحة أو دول أجنبية تتدخل في المنطقة" (أي أنها تعلن العداء بشكل واضح لمحور المقاومة كلّه).
_اعلنت بشكل واضح في صفحتها على تويتر بأنها أنها شاركت كمجندة في حرب تموز / يوليو من العام 2006. كما كتبت قبل نحو عامين تغريدة تقول فيها: "أنا ضد تبادل الأسرى - حتى لو وقعت مشاكل في المستقبل عند زيارتي الى سوريا او العراق".
_تدافع عن الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، كما تدافع بشدة عن العقوبات الأميركية ضد سوريا بذريعة أن العقوبات لا تستهدف القطاع الدوائي السوري.
_ تسوركوف شخصية مهمة لدى العديد من مراكز الدراسات الأمريكية والغربية (مستشارة لدى مجموعة الأزمات الدولية CSIS، المجلس الأطلسي، المعهد الأوروبي للسلام، مؤسسة كونراد أديناور، مؤسسة كارنيغي للسلام، ومعهد الشرق الأوسط...).
_هي مُدرجة حالياً كزميل غير مقيم في معهد نيولاينز في العاصمة واشنطن، والذي تضم إدارته مسؤولين سابقين في وزارة الخارجية الأمريكية ومستشارين عسكريين ومتخصصين في الاستخبارات (الذين يكونون أغلبهم قد عملوا سابقاً في الجيش أو في أجهزة الإستخبارات الأمريكية).
ومن خلال صفحتها على موقع هذا المعهد، ذُكرت المعلومات التالية حولها:
1)زميلة أبحاث في منتدى التفكير الإقليمي، وهو مؤسسة فكرية "إسرائيلية فلسطينية" مقرها القدس المحتلة.
2)طالبة دكتوراه في قسم السياسة بجامعة برينستون.
3)تركز أبحاثها على بلاد الشام، وعلى وجه الخصوص "الانتفاضة السورية والحرب الأهلية".
4)يعتمد بحثها على شبكة كبيرة من الاتصالات: مدنيون عاديون ونشطاء ومقاتلون وقادة مجتمعيون وسياسيون وعسكريون، والتي أسستها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، خاصة في سوريا والعراق وإسرائيل وفلسطين (لم يذكروا لبنان مع العلم بأن هناك معلومات تفيد بأن لديها علاقات مع صحفيين لبنانيين، وقدمت للبعض منهم مساعدات خاصةً بعد انفجار مرفأ بيروت).
5)قامت بعمل ميداني في سوريا والأردن والعراق وتركيا ودول أخرى في المنطقة (لم يذكروا بأنها جاءت إلى لبنان أيضاً، وهي عبّرت عن عدم ارتياحها في لبنان بعكس ما جرى معها في العراق، أما في سوريا فهي أعلنت بأنها زارت المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الإرهابية بزعامة جبهة النصرة، والمنطقة التي تسيطر عليها ميليشيا قسد بدعم عسكري أمريكي مباشر، كما زارت مخيم الركبان الذي يسيطر عليه داعش).
6)لديها أكثر من 10 سنوات خبرة في العمل التطوعي والعمل لمنظمات حقوق الإنسان في الشرق الأوسط التي "تناضل من أجل حقوق الفلسطينيين واللاجئين والمهاجرين والناجين من التعذيب وضحايا الاتجار بالبشر والأقليات العرقية والدينية" (وهذا يعني أنها استطاعت من خلال العمل بهذه المنظمات من الوصول الى الكثير من الأماكن والمناطق التي يعجز عن الوصول إليها أي شخص عادي).
7)ظهرت أعمالها في نيويورك تايمز ونيويورك ريفيو أوف بوكس وهآرتس وفورين بوليسي ومنافذ أخرى (لم يذكروا بأنها سبق أن كتبت تقريراً في يديعوت أحرونوت عن زيارتها للموصل بعد تحريرها من داعش).
8)تتحدث الإنجليزية والعبرية والروسية والعربية.
لديها 4 مواد أعدتها للمركز:
1)إحاطة استخباراتية بعنوان: "عصابات شمال سوريا: الحياة تحت وكلاء تركيا".
2)تقييم بعنوان: "بالنسبة لتركيا وسوريا، من المحتمل أن تكون بوادر التقارب مضللة".
3)تحليل التضاريس بعنوان: " لم يعد النظام السوري قادراً على توفير الموالين له".
4)بودكاست بعنوان: " بعد غزة والقدس: ما التالي لإسرائيل وفلسطين الجزء الثاني".
ما علاقتها بالتيار الصدري؟
كشف موقع أمواج البريطاني بأنها:
_كانت مهتمة جداً خلال السنوات الماضية، بالتيار الصدري، في إطار رسالتها للدكتوراه لصالح جامعتها الأمريكية (تعد لدراسة مقارنة بين التيار الصدري والقوات اللبنانية).
_زارت لبنان بشكل خاص أيضاً من أجل موضوع دراسة مقارنة، وهناك أشخاص أخبروا هذا الموقع بأنها كانت حريصة على اتخاذ الاحتياطات لحماية هويتها، بينما في العراق كانت تشعر بأمان أكبر.
_سافرت في عدة مناسبات إلى إقليم كردستان وكذلك مدينة الموصل الشمالية.
_في أوائل العام 2022، قررت القيام بزيارة إلى بغداد لأول مرة، وقد جاءت لتتشارك في شقة في حي الكرادة المركزي مع امرأة عراقية، وقامت بالتردد على صالة رياضية هناك.
_ كان هدفها الرئيسي الالتقاء بأعضاء التيار الصدري، وسافرت أيضاً إلى البصرة وميسان والنجف.
_ جهاز المخابرات الوطنية العراقية (INIS)، تحت سيطرة إدارة مصطفى الكاظمي (أي قبل تسلم رئيس الحكومة الحالي محمد شياع السوداني)، قد أصدر تحذيرًا لكل من روسيا والولايات المتحدة، بأنه من الأفضل أن تغادر تسوركوف البلاد.
_في تشرين الثاني / نوفمبر 2022، دخلت تسوركوف العراق مرة أخرى بتأشيرة لمدة شهرين لإجراء مقابلات مع أعضاء عاديين في التيار الصدري.
_مع انتهاء صلاحية تأشيرتها في كانون الثاني / يناير من هذا العام، سافرت إلى الإمارات لتجديدها.
_في منتصف آذار / مارس، عندما كانت تأشيرتها على وشك الانتهاء، تمكنت من تأمين لقاء مع أحد كبار قادة التيار الصدري. ولكن بعد أيام قليلة، في 21 آذار / مارس اختفت.
_ذكرت صحيفة نيويرك تايمز أن تسوركوف اختطفت أثناء عودتها إلى المنزل بعد زيارة مقهى بالقرب من شقتها.
_ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن تسوركوف "خضعت لعملية جراحية طارئة في الظهر في بغداد وكانت تتعافى من العملية قبل اختطافها".
معلومات تفصيلية أكثر حولها
_تخرجت بدرجة بكالوريوس في الاتصال والعلاقات الدولية من الجامعة العبرية، ودرجة ماجستير في الشرق الأوسط من جامعة تل أبيب، وتابعت دراسة العلوم السياسية في جامعة شيكاغو للحصول على درجة الماجستير.
_ تركزت حياتها في السنوات الأخيرة على مواضيع بحثية تتعلق: الجماعات التي تطلق على نفسها بأنها معارضة للحكومة السورية، العراقيون، الأكراد، الأيزيديون والسنة والشيعة.
_ من مواليد العام 1986 في سان بطرسبرغ لزوجين يهوديين عارضا النظام السوفياتي وسُجنا في سيبيريا.
_عندما كانت إليزابيث في الـ 4 من عمرها، انتقل أهلها الى فلسطين المحتلة حيث سكنوا في مستوطنة كفار الداد في غوش عتصيون.
_ تعيش في تل أبيب، على الرغم من أن موقعها على الإنترنت يذكر أنها تعيش في اسطنبول.
_بحسب صحيفة هآرتس: "عندما كانت زوركوف في الـ 9 من عمرها، شاركت مع أطفال آخرين من المستوطنة في مظاهرة ميدان صهيون الشهيرة ضد اتفاقيات أوسلو. وبعد شهر، عندما اغتيل إسحاق رابين، رقصت فرحًا مع الأطفال والمدرسين في مدرسة الرقص المحلية هورا دانسز".
_ بين الأعوام 2006-2008 كانت مساعدة للوزير السابق ناتان شيرانسكي (عضو سابق في حزب الليكود).
_ سافرت الى العراق 10 مرات بحسب صحيفة نيويورك تايمز.
_ أعدت بحثاً حول تظاهرات تشرين في العراق عام 2019، وهي الثورة الملونة التي أعدّت لها الإدارة الامريكية لإسقاط حكومة عادل عبد المهدي، ولإشاعة التوتر في العراق وتأجيج الوضع ضد فصائل المقاومة والحشد الشعبي، خاصةً بعد استطاعت هذه الجهات من القضاء على تنظيم داعش الوهابي الإرهابي. وقد قالت تسوركوف حول هذا البحث: "لقد ركزت على البحث في حركة الاحتجاج التي بدأت في العراق في عام 2019. تسببت هذه الحركة في قمع كبير للغاية من قبل قوات النظام وكذلك الميليشيات الإيرانية التي تريد الحفاظ على النظام سليمًا. منذ بدء الاحتجاجات في تشرين الأول / أكتوبر في عام 2019، هم قتلوا نحو 1000 متظاهر". مضيفةً بأن العراق "بلد تعمل فيه المليشيات الموالية لإيران بحرية، وتغتال في وضح النهار، وتبتز الناس. في الواقع، لقد تظاهروا لتأسيس حكومة مدنية. مع معايير الحكم المناسبة".
_ برأيها " "الخطأ الذي ارتكبه داعش هو غزو العراق وارتكاب الإبادة الجماعية هناك. وتبع ذلك تعبئة دولية واسعة النطاق والقتال العنيد الذي أثمر في النهاية. إذا كان تنظيم داعش قد ركز فقط على سوريا، فقد كان لا يزال موجودًا اليوم."
_ هي من المهتمين جداً بجمعيات المجتمع المدني، وهي من مؤيدي الأفكار والنظريات التي تتعلق بالنسوية والشذوذ الجنسي وغيرها.