في واحدة من أكبر تحولات اليابان منذ الحرب العالمية الثانية، أعلنت طوكيو أنها بصدد زيادة الانفاق العسكري بما في ذلك، الترسانة الصاروخية لناحية أعدادها ومدياتها، وبناء "جيش أكثر قوّة". وترتكز الجدلية في هذه الخطوة، حول المادة التاسعة من الدستور الياباني -الذي وضعته الولايات المتحدة بعيد احتلالها لطوكيو عام 1947- والتي تنص على ان "تتخلى اليابان الى الأبد عن الحروب واللجوء الى القوة لتسوية النزاعات الدولية"، وتمنع اليابان بموجبها من بناء أي قوّة عسكرية.
تعديل دستوري ام فيتو أميركي؟
لا يزال تعديل الدستور الياباني يثير جدلاً واسعاً، بين معارضين يتخوفون من تورط اليابان في أي نزاع مسلح واستخدامها لاستفزاز جيرانها (الصين وكوريا الشمالية وروسيا)، ومؤيدين يتطلعون لإعادة تفعيل دورها على الساحة الدولية، خاصة بعد تحقيق الائتلاف الحاكم فوزاً كبيراً في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشيوخ، والتي خيّم عليها اغتيال رئيس الوزراء السابق شينزو آبي، الذي قتل في تموز/ يوليو الماضي أثناء إلقائه كلمة في تجمع انتخابي. اذ بات الائتلاف الحاكم يملك الآن أغلبية مستعدة لتعديل الدستور "السلمي" وهو هدف، كان يطمح إليه آبي أيضاً.
وفي ظل إعلان اليابان وثيقة "السياسة الدفاعية الجديدة"، على الرغم من عدم قيامها بتعديل الدستور، تنكشف دوافع هذه الخطوة، اذ تأتي في إطار رفع "الفيتو" الأميركي عن تسليح الجيش الياباني، تنفيذاً لسياستها التي تقضي باستغلال التمركز الجيوسياسي لهذه الدول كخاصرة رخوة لكل من بكين وموسكو وبيونغ يانغ. تماماً كما حدث بألمانيا -التي دعمت الولايات المتحدة إعادة تشكيل وتسليح جيشها عقب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا- حيث قرر البرلمان الألماني مدعوماً من الحكومة، تخصيص 100 مليار يورو لشراء طائرات بدون طيار وطائرات مقاتلة جديدة، كما تقرر رفع الإنفاق الدفاعي لما يزيد على 2% من الناتج المحلي الإجمالي بشكل دائم (بعد أن كان 1.3% سابقاً)، في فبراير/شباط 2022.
3.7 مليار دولار لأنظمة الصواريخ
أعلنت طوكيو، عند إطلاقها للاستراتيجية العسكرية، أنه بحلول السنة المالية 2027، ستنفق حوالي 2٪ من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، بعد ان كان حوالي 1٪. بناءً على الناتج المحلي الإجمالي الحالي، ومن شأن ذلك أن يرفع الإنفاق السنوي إلى ما يعادل حوالي 80 مليار دولار، مما يضع اليابان في المرتبة الثالثة في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.
كما تم تخصيص حوالي 3.7 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة لأنظمة الصواريخ، بما في ذلك صواريخ توماهوك الأمريكية، والتي ستمنح اليابان القدرة على استهداف منشآت عسكرية أجنبية.
(مدمرة "يو إس إس كيب سانت جورج" الأمريكية تطلق صاروخ توماهوك ضد العراق، 2003)
ووصفت الوثيقة الاستراتيجية خطط الصواريخ والتغييرات الأخرى بأنها "تحول كبير في سياسة الأمن القومي لبلدنا بعد الحرب" المُعدّة لتحذير المعتدين المحتملين -خاصة الصين وكوريا الشمالية وروسيا- من أن مهاجمة اليابان ستكون مكلفة للغاية.
بعد الجدل داخل معسكر الحزب الحاكم حول ما إذا كان ينبغي وصف الصين بأنها تهديد، استقرت الحكومة اليابانية على لغة تصف الصين بأنها "التحدي الاستراتيجي الأكبر، على عكس أي شيء رأيناه من قبل"، وهو ما يعكس اللغة التي استخدمتها واشنطن في استراتيجية الأمن القومي التي نشرتها في 12 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وقبيل إطلاق الاستراتيجية، شجبتها بكين باعتبارها خطوة خطيرة من شأنها أن تدفع الدول الآسيوية للتشكيك في التزام طوكيو بالسلام. وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية وانغ وين بين، أن "الجانب الياباني يتجاهل الحقائق وينحرف عن التزامه بالعلاقات الصينية اليابانية والتفاهمات المشتركة بين البلدين ويشوه سمعة الصين بلا أساس...ان تضخيم التهديد الصيني لإيجاد ذريعة لتعزيز حشدها العسكري هو امر محكوم عليه بالفشل". فيما صنّفت الاستراتيجية كوريا الشمالية بعد الصين في قائمة التهديدات، مما عكس الترتيب من الإستراتيجية السابقة التي صدرت في 2013.
تُلزم خطط الإنفاق اليابان بتقديم 43 تريليون ين ياباني، أي ما يعادل 312 مليار دولار، في نفقات الدفاع على مدى 5 سنوات تبدأ في السنة المالية التي تبدأ في نيسان/ أبريل. ومن شأن ذلك أن يجعل اليابان تتماشى مع أهداف الإنفاق التي يتقاسمها الحلفاء الأوروبيون للولايات المتحدة في منظمة حلف شمال الأطلسي.
إلى جانب الحصول على صواريخ توماهوك الأمريكية، تخطط اليابان لتوسيع مدى صواريخها حتى تتمكن من ضرب أهداف بعيدة مثل البر الرئيسي للصين ويتم إطلاقها من الأرض أو الجو أو البحر. وتدعو الخطة إلى إنفاق ما يقرب من 60 مليار دولار على الصواريخ الجديدة والدفاع الصاروخي.
وتجدر الإشارة إلى ان أكبر مجموعة دائمة من القوات الأمريكية في الخارج موجودة في اليابان، بما في ذلك حوالي 54000 عنصر، كما يقع الميناء الرئيسي للأسطول الأمريكي السابع، الذي يتضمن حاملة الطائرات يو إس إس رونالد ريغان، في يوكوسوكا، جنوب طوكيو.
الرئيس التنفيذي لشركة Suntory Holdings Lt، تاكيشي نينامي، قدم النصح للحكومة اليابانية، بشأن المسائل الاقتصادية، "على اليابان أن تثبت أننا سندافع عن بلدنا أمام صانعي السياسة الأمريكيين الذين قد يميلون إلى تقليل الالتزامات الخارجية.". وأضاف "إذا لم نتخذ إجراءات لحماية بلدنا، فهل ستدعمنا الدول الحليفة؟ لا أعتقد ذلك".
ويقول الصحفي في صحيفة وول ستريت جورنال، تشيكو تسونيوكا، أنه "بدافع جزئي من مخاوف الولايات المتحدة، التزمت اليابان بحوالي 7.3 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة لتحسين دفاعاتها الإلكترونية، بما في ذلك زيادة عدد موظفي الأمن السيبراني الأساسي إلى 4000 من 890". وجاءت هذه الخطوات بهدف تمكينها من الوصول بشكل أكبر إلى المعلومات الاستخباراتية الأمريكية، والتي كانت واشنطن تحجم أحياناً عن مشاركتها خوفاً من تسريبها. ويقول محللون عسكريون إن طوكيو ستعتمد على الأرجح على مثل هذه المعلومات الاستخباراتية لضرب هدف أجنبي بصواريخها.
وبينما تلقى هذه الخطوة تأييداً من شريحة واسعة من اليابانيين، يواجه رئيس الوزراء، فوميو كيشيدا، اضطرابات شديدة داخل حزبه، حول كيفية تأمين الموازنة الكافية لتغطية كل هذه النفقات. وفي الوقت الذي أبدى رغبته في زيادة الضرائب، يرى عدد من المشرعين ان زيادة الانفاق العسكري بهذا الشكل هو "قرار متسرّع قد يضر بالاقتصاد"، حسب ما نقل تسونيوكا.
الكاتب: مريم السبلاني