تلقّى كيان الاحتلال إعلان ايران عن زيادة تخصيب اليورانيوم لمستوى 60%، بمزيد من الانقسام. وبينما تزايد الدعوات لإعادة الضغط بما يتعلق الخيار العسكري ضد طهران، صرح رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، الجنرال أهارون حليوه بالقول: "أنا غير مقتنع بأن الوصول إلى مواجهة مباشرة معها هو الأمر الصحيح في الوقت الحالي. هذا يحتاج إلى تسريع بناء قوة في الجيش الإسرائيلي والموساد". مشيراً إلى ان "رجال الاستخبارات في إسرائيل لم يعرفوا نوايا إيران بالنسبة للاتفاق النووي".
النص المترجم:
مستوى تخصيب اليورانيوم في إيران مثل مواعيد تجسيد قدرتها لإنتاج قنبلة نووية تحوّل منذ العام 2009 إلى خارطة طريق تطرح تفسيرات لنوايا إيران. وهكذا كان بيانها الأخير عن نيتها تخصيب اليورانيوم بمستوى 60%، الأمر الذي يتجاوز القيود التي فرضها عليها الاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه في 2015 والذي بحسبه لن يزيد مستوى التخصيب عن 3.67%.
مثل خروقاتها السابقة التي بدأت بعد سنة تقريباً على إعلان الولايات المتحدة عن انسحابها من الاتفاق النووي، فهذا الخرق لم يتم بالسر أيضاً. أبلغت إيران الوكالة الدولة للطاقة النووية عن كل خرق تخطط له، وأضافت إلى جانب كل بلاغ أن كل عملية كهذه مستعدة للعودة إلى إطار الاتفاق النووي حسب الشروط التي وضعتها لتطبيقه.
من يتابع بيانات إيران، عليه ألا يتفاجأ من البيان الأخير. ففي نيسان 2021، بعد عملية المنشأة النووية في نطنز والتي نسبت لإسرائيل، أوضحت إيران بأنها تنوي زيادة نوعية التخصيب وإضافة 1000 جهاز طرد مركزي للأجهزة التي كانت تعمل في المنشأة. في تشرين الأول الماضي نشرت وكالة الأنباء "رويترز"، عن مضمون التقرير الذي نشرته الوكالة الدولية للطاقة النووية، الذي -بحسبه- أدخلت إيران في آب/أغسطس، 3 أجهزة للطرد المركزي المتقدمة من نوع آي.آر6 في موقع نطنز إلى حيز الاستخدام، ويمكن أن تسرع إنتاج اليورانيوم المخصب بمستوى 90%. هذا بعد أن كانت قد أنتجت كميات صغيرة من اليورانيوم المخصب بمستوى 60% في المنشآت النووية في فوردو ونطنز.
قد تنوي إيران إنتاج كمية أكبر من اليورانيوم المخصب بمستوى 60% هذه المرة. لكن السؤال المهم هو: هل سترفع إيران التخصيب إلى مستوى أعلى، كما صرح رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، الجنرال أهارون حليوه، "ستتسلى في التخصيب بمستوى 90%". وهذا مستوى يعتبر نقطة انطلاق نووية حتى لو لم تضمن بعدُ قدرة على إنتاج وإطلاق قنبلة نووية.
لا يعرف حليوه ما إذا كانت إيران تنوي إنتاج قنبلة نووية. "أقدّر أن الزعيم يعتقد بأن الأمر سيتسبب في إلحاق ضرر بالنظام. لكن الأمر الأكثر ثباتاً هو عدم الاستقرار"، وأضاف حليوه: "الانطلاق نحو إنتاج القنبلة في هذه الأثناء لا يخدم النظام، بل يعرضه للخطر".
هذه التقديرات العامة لا يمكن أن توفر أرضية لسياسة فعلية واتخاذ قرارات عملياتية. التشويش زاد أكثر عندما قال حليوه "أنا غير مقتنع بأن الوصول إلى مواجهة مباشرة معها هو الأمر الصحيح في الوقت الحالي. هذا يحتاج إلى تسريع بناء قوة في الجيش الإسرائيلي والموساد". أي أنه ليس فقط أن إيران غير معنية بانطلاقة نووية، بل لا يجدر بإسرائيل ولا قدرة لها، على الأقل في هذه الأثناء، على مواجهتها بشكل مباشر. هذه أقوال غامضة تقوض النظرية التي يجب على اسرائيل -وفقها- أن تعرض تهديداً عسكرياً حقيقياً ضد إيران، وحتى إنه يثير شكوكاً جدية بخصوص قدرتها على العمل وحدها إذا اضطرت إلى ذلك، ولن تعتبر نفسها ملزمة بالاتفاق النووي إذا تم التوقيع عليه.
أقوال حليوه مهمة لأنها تدل على الفجوة بين المعلومات الدقيقة التي قد تجمعها إسرائيل عن علماء الذرة الإيرانيين أو عن مواقع المنشآت النووية أو القوات الإيرانية في سوريا وبين القدرة على معرفة أو حتى تقدير نوايا إيران. الأكثر من ذلك، أن رجال الاستخبارات في إسرائيل لم يعرفوا نوايا إيران بالنسبة للاتفاق النووي. في البداية قالوا إن الأمر يتعلق بخداع وكسب الوقت. وهي أقوال استبدلت بالخوف من احتمالية نجاح المفاوضات، والآن يترسخ الموقف القائل بعدم وجود أي فرصة للاتفاق.
لم يعرف هؤلاء الأشخاص كيف تطور قتل الفتاة مهسا أميني، الذي أشعل الاحتجاج في إيران، ولا يعرفون كيف سيواصل النظام الرد على المظاهرات التي هي مستمرة منذ منتصف أيلول، وهم الآن يعرضون الربط بين المظاهرات في إيران ومواقف طهران حول الاتفاق النووي أو نواياها الحقيقية أو سياسة مهاجمة السعودية أو المونديال. شخصيات رفيعة في إيران حذرت السعودية مما اعتبرته تدخلاً في شؤون إيران الداخلية، وأسمعت تحذيرات مشابهة للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل، التي حسب رأيهم تغذي الاحتجاجات لضعضعة الاستقرار في الدولة. ولكن في الوقت نفسه، ترغب إيران باستئناف علاقاتها الدبلوماسية مع السعودية رغم تجميد المحادثات بينهما في نيسان. والإشارات عن نية إيران المس بالمونديال من أجل حرف الاهتمام والضغط الدولي عما يحدث في شوارع مدنها، تحتاج إلى إثبات حقيقي وليس فقط أقوال عابرة. قطع العلاقات الوثيقة بين إيران وقطر وتدمير الشراكة بينهما في أكبر حقل للغاز في العالم الموجود في الخليج الفارسي وسلسلة من صفقات التعاون التجاري التي وقعت بين الدولتين في هذه السنة خلال زيارة القادة المتبادلة للدولتين، هي بمثابة ثمن باهظ ستدفعه إيران إذا قررت المس بكأس العالم الذي يعتبر ذروة النجاح الدولي لقطر.
حسب تصريحات كبار القادة في إيران وتفسيرات وسائل الإعلام فيها، يبدو أن طهران تفصل بين المسار النووي والاحتجاج الواسع والعنيف الذي أدى في السابق إلى موت نحو 300 شخص. تسمع في البرلمان الإيراني أصوات تقترح إجراء الإصلاحات، حتى لو فصلوا تلك الإصلاحات التي يقصدونها. ما زال رد النظام على المتظاهرين يوصف بأنه "يد ناعمة"، تنبع من أن قوات الأمن تدرك بأنه تم تحريض المتظاهرين وتضليلهم من قبل "أعداء خارجيين"، ولكن في هذه الأقوال تهديداً صريحاً بأن قمعاً أقوى وأعنف يتربص وراء الزاوية.
في موازاة ذلك، ما زالت إيران تقوم بخطوات استهدفت استكمال الاتفاق النووي، التي تشمل البيان الجديد عن تخصيب اليورانيوم. وهو بيان استهدف حسب أقوالها تشكيل "رد شديد" على قرار مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة النووية مطالبة إيران بالتعاون وتقديم معلومات عن المواقع التي يتم الإبلاغ عنها، والتي اكتشفت فيها بقايا يورانيوم مخصب. هذا الموضوع هو أحد العقبات الأساسية التي منعت التوقيع على الاتفاق النووي. ربما يعتمد سلوك إيران على موقف أمريكا التي لم تسحب يدها من المفاوضات حتى الآن، ولم تعلن عن الانسحاب منها، في محاولة لتحقيق تنازلات أخرى. إذا كان هذا هو القصد، فتفسير ذلك أنها تعتبر الاتفاق النووي حتى الآن قناة حقيقية للخروج من الأزمة الاقتصادية التي خلقها الاحتجاج وغذاها.
المصدر: هآرتس
الكاتب: تسفي برئيل