يناقش الباحث في شؤون الصين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، كريغ سينغلتون، ان بكين ستحقق انتفاعاً في حال تم التوصل إلى توقيع اتفاق نووي بين إيران والدول الأطراف. حيث أنها ستفتح مجالاً واسعاً أمام نشاطات صينية في الخليج وتعقد أهداف الولايات المتحدة في الإندو- باسيفيك.
وفي الورقة البحثية التي أعدها يقول سينغلتون، ان توقيع اتفاقية نووية جديدة مع طهران سيضع إيران تحت الرقابة بحيث يفتح المجال أمام واشنطن وحلفائها في أوروبا للتركيز على الصين ونزعتها المحاربة في منطقة المحيط الهندي- الهادي. ولكن صفقة قصيرة المدى وضعيفة تقوي يد إيران سيكون لها الأثر المضاد، وستقود إلى عدم استقرار في الشرق الأوسط ومنطقة الباسيفيك وستعطي الصين الفرصة لتعميق تأثيرها في منطقة الخليج.
بعد سنوات من العقوبات الدولية، بحثت طهران عن دعم من الأنظمة التي وسعت شراكتها معها مثل الصين، والتي تحولت في السنوات الماضية لأكبر شريك تجاري لها ووجهة مهمة للطاقة الإيرانية، ومستثمر كبير في إيران.
وتدعم الصين مشاريع إيران في مجال الصواريخ الباليستية وزودتها بالمعدات التي تم دمجها في نظام الصواريخ الذي استخدم ضد الأمريكيين في العراق، كان آخرها عام 2020. ومهما كان فمن الواضح أن البلدين يظلان ملتزمين بمواجهة النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، ويدعمان بعضهما البعض في أي مواجهة معها.
ولكن علاقة الصين مع السعودية والإمارات – عدوتي إيران – أدت لعقد شراكة استراتيجية متوازنة في الخليج. وهو ما أدى لإعلان إيران عن شراكة استراتيجية لمدة 25 عاما واستثمار 400 مليار دولار في المجال العسكري والتعاون التجاري مع الصين عام 2021، إلا أن بيجين وعن قصد قللت من أهمية الشراكة التي لم تكشف عن تفاصيلها.
كما أن التعاون الصيني- الإيراني يتم التعامل معه من خلال السفارات مقارنة مع المستويات العليا التي تتعاون فيها بيجين في علاقاتها مع الرياض وأبوظبي. ويدير هذه العلاقات مسؤول اللجنة السياسية الدائمة للحزب الشيوعي الصيني، هان جينغ، ومدير الهيئة المركزية للشؤون الخارجية، يانغ جيتشي.
ويضيف الباحث ان الحصول على المنافذ الاقتصادية هو ما يقف وراء الشراكة الصينية- الإيرانية اليوم، وهي التي تتمتع فيها الصين بنفوذ كبير على إيران. وقدم السخاء الصيني الناجم عن شراء النفط الإيراني، في خرق لحظر النفط، لطهران شريان حياة لمواصلة أعمالها في المنطقة. واستثمرت الصين على مدى السنوات في الصناعات الإستراتيجية الإيرانية مثل التعدين والنقل. وقُصد من هذه التحركات منح بيجين منافذ غير مقيدة للمصادر الطبيعية الإيرانية من الغاز واحتياطات النفط، إذ إنها تمتلك ثاني احتياط ورابع احتياط في العالم على التوالي، وهو ما يسهم في تخفيف عطش الصين المتزايد للطاقة.
وتعترف الصين بموقع إيران الإستراتيجي على المنافذ البحرية المهمة التي تأمل يوما أن تكون جزءا من مبادرة الحزام والطريق. وبعيدا عن الاعتبارات الجيوسياسية فلا يزال البلدان بعيدين عن أهداف الرئيس شي جينبينغ بزيادة التعاون الثئنائي إلى 600 مليار دولار بحلول عام 2026. ففي عام 2021 وصلت التجارة المتبادلة بينهما إلى 15 مليار دولار، أي مثل العام الذي سبقه. وبنفس السياق لم يتجاوز الاستثمار الصيني الخارجي المباشر في إيران عن 3 مليارات دولار.
ولفهم المقارنة، يقول الكاتب، أنه قد وصلت التجارة الصينية مع السعودية والإمارات إلى 87 مليار دولار و75 مليار دولار على التوالي. والسبب هو أن الصين تتعامل مع إيران كرهان محفوف بالمخاطر وستظل تتعامل معها طالما ظلت العقوبات قائمة. وهذا يفسر قيام شركات مثل هواوي ولينوفو بسحب نشاطاتها أو تخفيفها وسبب توقف الصين عن استيراد النفط الإيراني أثناء حملة ترامب ضد إيران. وتردد الصين في التعاون مع دول تتعرض للعقوبات يفسر أيضا ترددها في دعم موسكو في حرب أوكرانيا، رغم حديث الرئيسين شي وفلاديمير بوتين عن شراكة "لا محدودة" بينهما. إلا أن الحسابات الصينية بالنسبة لإيران ستتغير لو تم توقيع اتفاقية نووية جديدة، إذ ستزيد بكين المتحررة من تهديد العقوبات استثماراتها وتجارتها مع إيران، مما سيعمق من تأثيرها في البلد ومنطقة الخليج أيضا. وسيظهر تأثير الصين على عدد من الصناعات التي تحمل الكثير من التداعيات الأمنية الخطيرة. ففي الوقت الذي منعت العقوبات الأمريكية شركة النفط الصينية من المضي في تنفيذ عقد بمليارات الدولارات لتطوير حقل بارس للغاز الطبيعي في جنوب إيران، وهو أكبر حقل للغاز في العالم. فإن الشركات الصينية ربما حاولت إعادة فحص إمكانيات العقد وغيره من المبادرات المتعلقة بالطاقة التي تدر الربح، وبعض هذه المبادرات له علاقة بالمؤسسة العسكرية الإيرانية. وربما وسعت الصين مدى استثماراتها في قطاع الفولاذ والذهب والألمنيوم. وكانت قد استثمرت في صناعات أخرى ساهمت بمساعدة إيران على بناء برامجها في الصواريخ الباليستية. ونفس الأمر ينطبق على المبادرات في قطاع البنى التحتية والنقل، والتي تهدف لربط إيران مع شبكات الصين في وسط وجنوب آسيا. وتضم تلك المبادرات خطا حديديا بين إيران وإقليم شنجيانغ، الذي تقول الأمم المتحدة إن الصين ترتكب فيه انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان مثل العمالة القسرية وتعقيم النساء.
وربما طلبت إيران تحديد بنيتها الاتصالية بما في ذلك أنظمة الرقابة التي زودتها للدول المستبدة الأخرى. وستكون النتيجة مزيدا من القمع والرقابة ضد المواطنين الإيرانيين. وستحصل إيران على عائدات هائلة من الاتفاقية النووية، 275 مليار دولار من الأموال المجمدة وتريليون دولار من عائدات النفط بحلول 2030. ويعترف المسؤولون الأمريكيون بعدم شمول الاتفاقية على ضمانات تمنع إيران من استخدام موارد النفط والثروة لتمويل نشاطاتها في الخارج أو جماعاتها الوكيلة. وحتى نكون منصفين، فبيجين يهمها الاستقرار في منطقة الخليج، لأن النزاع يهدد سوق الطاقة، بحسب كريغ سينغلتون.
ويرى الباحثون أن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط سيقلل "من قدرة واشنطن على التركيز والضغط على الصين". وبدون قدرات أمريكية قد تتجرأ الصين على القيام بمناورات محفوفة بالمخاطر في الباسيفيك وأخطر من تلك التي نظمتها في المياه التابعة لتايوان في الفترة الماضية.
الكاتب: غرفة التحرير