لا مؤشرات حلحلة تلوح في الأفق السياسي العراقي. ثمة من يعتقد ان الأيام المقبلة لن تحمل انفراجات يعوّل عليها، فحجم الخلافات ما بين الإطار التنسيقي والسيد مقتدى الصدر، أكثر تعقيداً من ان يتم حصرها. ولعل أكثرها صعوبة هو الاتفاق على اسم لتولي رئاسة الحكومة القادمة. وعلى الرغم من ان الخلاف كان بعيد إجراء الانتخابات النيابية المبكرة، التي جرت في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، على تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، إلا انه سرعان ما تحوّل إلى جدل عقيم حول تسمية رئيس الوزراء بعدما لمست مختلف الأطراف ان المعركة باتت في مكان آخر، وكل منها بات يتمسك بمرشحه الذي لا يرضي الطرف المقابل. وهذا ما يفتح الباب مجدداً للحديث عن الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس الوزراء وفق الدستور الصادر عام 2005.
رئاسة الوزراء: محرك العملية السياسية
يعتبر رئيس الوزراء هو مركز السلطة التنفيذية والأكثر تأثيراً على سير العملية السياسية والاقتصادية في البلاد. وتجمع هذه الصلاحيات المفوّضة له، مختلف المؤسسات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية كونه يمثّل القائد الأعلى للقوات المسلحة من جهة، والمسؤول عن إعداد الموازنة والمشاريع الاستراتيجية وتأمين تمويلها من جهة أخرى. إضافة لعملية التخطيط وإرسال المشاريع للمصادقة عليها ثم الاشراف على تنفيذها.
وبهذا الصدد، يقول فائق الزيدي -وهو صحفي عراقي- ان "ربط قيادة القوات المسلحة بموقع رئاسة الوزراء يعطي الأخيرة صلاحيات واسعة جداً، وهو الأمر الذي يمنحها أهمية تجعل منه منصباً يحتدم عليه الصراع بشكل مستمر".
وبحسب الدستور الذي دخل حيّز التنفيذ بشكل رسمي عام 2006، فإن صلاحيات السلطة التنفيذية، ومحددات عمل الرئيس إلى جانب وزرائه، تحدد بالتالي:
-يشترط في رئيس مجلس الوزراء ما يشترط في رئيس الجمهورية، ان يكون حائزا على الشهادة الجامعية أو ما يعادلها واتم الخامسة والثالثين سنة من عمره.
-رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بإدارة مجلس الوزراء. ويترأس اجتماعاته، وله الحق بإقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب.
-تمارس السلطة التنفيذية عملية التخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة والخطط العامة.
-اقتراح مشروعات القوانين وإصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات التي ترسم مسار التنفيذ
-اعداد مشروع الموازنة العامة والحساب الختامي وخطط التنمية
-التوصية إلى مجلس النواب بالموافقة على تعيين وكلاء الوزارات والسفراء واصحاب الدرجات الخاصة، ورئيس اركان الجيش ومعاونيه ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق، ورئيس جهاز المخابرات، ورؤساء الأجهزة الأمنية
-التفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتوقيع عليها
فراغ المنصب يزيد المشهد تعقيداً
في خضم التطورات المتلاحقة والمتسارعة، وكان آخرها الأحداث الدامية التي شهدتها العاصمة بغداد، لوّح رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بترك منصبه في حال تكرار ما جرى. وقال بعد ساعات على انتهاء المواجهات التي جرت في شوارع الخضراء: "إذا أرادوا الاستمرار في إثارة الفوضى والصراع سأقوم بخطوتي الأخلاقية والوطنية بإعلان خلو المنصب وفقاً للمادة 81 من الدستور". وبينما اعتبر البعض ان الكاظمي يسعى من وراء ذلك، إلى حثّ مختلف الأطراف على التهدئة وضرورة التوصل إلى اتفاق سريع يخرج البلاد من المأزق، يرى البعض الآخر ان خلو المنصب في هذا التوقيت سينتج، دون ريب، مزيداً من التعقيد والعراقيل السياسية والقانونية في ظل الغموض الذي يحيط بالمادة 81 من الدستور، التي قصدها الكاظمي في حديثه.
على ماذا تنص المادة 81؟
تنص المادة الدستورية رقم 81 من الدستور في الفقرة الأولى على أن "يقوم رئيس الجمهورية مقام رئيس مجلس الوزراء عند خلو المنصب لأي سبب كان". في حين تنص المادة ذاتها في الفقرة الثانية على أنه "عند تحقق الحالة المنصوص عليها في البند أولاً من هذه المادة يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال مدة لا تزيد على 15 يوماً، وفقاً لأحكام المادة 76 من هذا الدستور".
ولم تتطرق المادة عن الوضع الحالي والمتمثل في ان كلّاً من رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية قد انتهت ولايتاهما القانونية، بعد ان فشلت القوى السياسية في الاتفاق على اسم لرئاسة الجمهورية وآخر لرئاسة الحكومة.
خبراء دستوريون قالوا انه اذا قام الكاظمي فعلياً بطلب الاعفاء من منصبه، فإن ذلك لا يشمل باقي الوزراء لأنها حكومة تصريف أعمال. فيما ستكون الحالة مغايرة لو كانت الحكومة على رأس عملها وصلاحياتها حيث سينطبق عليها، حينها، المادة 76 من الدستور.
بالمقابل، يرى آخرون ان تولي رئيس الجمهورية منتهية ولايته لصلاحيات رئاسة الوزراء مخالف للقانون. حيث ان النظام الداخلي للمجلس ينص على ان يقوم أحد نواب الرئيس محله في حال غيابه. إذ ان الوضع الدستوري في حال تنفيذ الكاظمي للخطوة التي لوّح بها، لا يكون خلوّاً للمنصب بل غياباً عنه.
تحديات جمّة يواجهها العراق اليوم. وان كانت التهدئة أمراً تطالب به مختلف القوى السياسية، فإن الهوامش المنوط بها تحقيق "الهدنة" تضيق وتتقلص حسب المستجدات. وبينما أعلنت المحكمة الاتحادية اليوم، عدم اختصاصها في النظر بالدعاوى المقدمة لحل البرلمان وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، فإن جمر الشارع سيبقى ملتهباً وقد ينقشع عنه الرماد متى انتهت الأربعينية في العراق. في حين، ان كلفة "صمود" كل على موقفه دون التوصل إلى نقاط وسطية تقاربية، تُعمَّد اولاً برغبة مختلف الكتل بتقديم بعض التنازلات، ستكون مرتفعة جداً وجدلية، في ظل لحظة إقليمية ودولية غير مهيّأة لتقديم جديد ما او الدخول على خط الوساطة.
الكاتب: مريم السبلاني