هناك العديد من المزايا الاستراتيجية والتكتيكية، تدفع بالدول الكبرى والإقليمية وحتى الصغرى، الى الاهتمام بقواتها البحرية وتطويرها. خاصةً مع وجود البحر والمسطحات المائية كمنطقة عمليات، ما يجعل هذا الذراع العسكري هو الأداة الأساسية للدولة، ليس فقط في أوقات الحرب، بل وفي أوقات السلم أيضًا، من خلال تأمينها الحماية للممرات الملاحية والسفن المدنية.
ويعتبر الكثير من المفكرين الجيوبولتيكيين، أن القوة البحرية هي أساس نشوء الدول العظمى، وهذا ما تؤكده الحقائق التاريخية. فالإمبراطوريات التي حكمت العالم منذ القدم، أو حتى تلك التي توسعت واستعمرت شرقاً وغرباً، كانت أولى خطواتها في ذلك بناء قوة بحرية، منذ الإمبراطورية الفارسية والرومانية قديماً، وصولاً الى الإمبراطورية البريطانية حديثاً.
واليوم إذا ما دققنا بما تواجهه دول العالم من تحديات، إن على صعيد تأمين سلاسل التوريد، لكل المواد الحيوية لها من الغذاء وصولاً الى الطاقة، سندرك عندها أن أهمية وجود القوات البحرية باتت من المسلّمات.
القوة والقدرة البحرية
وفي مستهل الحديث عن القوة البحرية، لا بد لنا أولاً التمييز بين مفهومي القوة والقدرة البحرية، فالأولى تعني القوة العسكرية القادرة على تنفيذ مختلف المهام البحرية، فيما تشمل القدرة البحرية القوات العسكرية والسفن التجارية والمنشآت والممرات البحرية بكافة أنواعها.
وأبرز من نظّر في مفهوم القوى البحرية، وارتباطها بالجغرافيا السياسية هو القائد البحري الأمريكي "الفريد ماهان"، الذي لديه 3 كتب في هذا المجال:
1)تأثير القوة البحرية في التاريخ بين سنة 1660 – 1783.
2)تأثير القوة البحرية في الثورة والإمبراطورية الفرنسية 1793 – 1812.
3)القوة البحرية في علاقتها مع الحرب.
ويشير ماهان الى أن قيام قوة بحرية لأي دولة يحتاج الى عدة عوامل:
_الموقع الجغرافي للدولة: إذا كانت تقع على بحر واحد، أو بحرين أو أكثر، بالإضافة لصالحية هذه المسطحات المائية للملاحة، وسهولة اتصالها ببعضها، وبأعالي المحيطات. كما يشترط على الموقع البحري أن يمكّن الدولة من السيطرة على الطرق التجارية الهامة، والتحكم بها بما يسمح لها القيام بمهام دفاعية أو هجومية.
فعلى سبيل الذكر لا الحصر، دائماً ما كان مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق "زيغنيو بريجنسكي" يحذر ساسة بلاده، من عدم السماح للاتحاد السوفياتي من الوصول الى المياه الدافئة، لما سيصعّب عليها ذلك من التمدد والتحرك. حتى أن البعض وصف هذه العقدة بأنها كعب أخيل الاتحاد السوفياتي ولاحقاً روسيا.
_ طبيعة السواحل لهذه البلد، وكيفية استخدام هذه السواحل، فكلما نشطت حركة التجارة والصيد عبر هذه السواحل، كلما اهتم سكان هذه الدولة بالنشاط البحري وبرعوا فيه.
_ توجهات الحكام في هذه الدول نحو التوسع أو التقوقع: فالصين مثلاً التي توالى على حكمها عدة أنظمة، منها من اهتم بناء قوة بحرية للتجارة والحرب، ومنهم من فضّل عدم التوسع وشن الحروب فأهمل القوة البحرية، وهذا ما ساهم في تمكن الامبراطورية اليابانية من احتلال الصين أيضاً.
الصين بمواجهة أمريكا
لكن الصين في العصر الحالي، تواصل جهودها بشكل حثيث على صعيد القوة البحرية، لتكون نداً قوياً للولايات المتحدة الأمريكية. حيث تواصل بكين تعزيز قواتها بالسفن الضخمة ذات القدرات العسكرية المتطورة، مثل حاملات الطائرات التي تمكنها من فرض هيمنتها في أعالي البحار، من قوة نيران هائلة عبر السفن والغواصات والطائرات المرافقة. ففي الأيام الماضية، وبعدما كان لدى الصين حاملتي طائرات فقط ضمن أسطولها الحربي، أعلنت إطلاق حاملة الطائرات الثالثة، والتي تم تصنيعها محليا بصورة كاملة.
وهذا من بين الكثير من الأسباب، التي جعلتها الأقوى عالمياً على الصعيد البحري، من خلال امتلاك الأسطول الأضخم والمكوّن من 777 قطعة بحرية مختلفة.
الكاتب: علي نور الدين