في تصريح لافت جداً، يكشف ما تعتريه العلاقة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج، لا سيما الإمارات. تحدث المستشار الرئاسي في الإمارات "أنور قرقاش" منذ أيام، خلال إحدى الفعاليات التي ينظمها "مجلس محمد بن زايد"، عن قرب نهاية "الهيمنة الغربية" على النظام الدولي، واصفاً بأن هذه الهيمنة تعيش أيامها الأخيرة، مشيرا إلى أن التغيير هو السمة الطبيعية في الحياة، بينما يعتبر الثبات والاستقرار الشواذ عن القاعدة.
وأضاف "قرقاش" بأن ظهور القوة الاقتصادية والتكنولوجيا من آسيا، ممثلة بالصين واليابان وكوريا الجنوبية وإندونيسيا، سيغير الميزان الذي كان مائلا للغرب بحيث أن هذا الاقتصاد أصبح أقل غربية. ووصف الصين بأنها تشكلّ اليوم لاعباً اقتصادياً وتكنولوجياً رئيسياً، ولاعباً سياسياً مهماً جداً، رغم أن بلاده لم تضعها في مصاف أمريكا حاليا، لكنه أضاف بأن هذه التغييرات تشير إلى أن التغيير هو القاعدة في النظام الدولي وليس الثبات والاستقرار. وغمز "قرقاش" لناحية اعتماد الدولار كعملة عالمية، بالقول أن "اليوم ننظر إلى أن الدول تعتمد على الدولار كعملة عالمية ونعتقد أن هذا كان منذ الأزل، والحقيقة أن النظام الدولي الذي يعتمد على الدولار عمره 50 أو 60 أو 70 سنة، لذلك فالتغيير هو طبيعة الحياة"، ما يشير إلى أن الإمارات قد تتخذ خطوات غير مسبوقة في علاقاتها الاقتصادية، من خلال استبدال الدولار بعملة أخرى، وهذا ما سيغضب واشنطن بشدة من حلفائها التقليديين في المنطقة، ويهدد بذلك ما يعرف بالـ"بترودولار".
وكشف "قرقاش" أن هجمات الثأر اليمنية التي نفذت في كانون الثاني/يناير الماضي، شكلت اختبار ما يزال حتى الآن، لتحالفات بلاده مع بعض الدول، والتي رأى أنها تعتمد على مبدأ الالتزام، معلقاٌ بأن هناك ضرورة لمراجعة طبيعة هذا الالتزام (في إشارة ضمنية الى التزام الإدارة الأمريكية الدفاع عن الإمارات). وهذا ما يدلّ على أن سلطات أبو ظبي، تجري مراجعة شاملة لسياستها الخارجية، خاصةً وأن تحدث عن رفضه لتصنيف بعض المحللين الغربيين للدول، ما بين ديمقراطية واستبدادية، لأنه يعني بنظره: "إما أن تكون معنا فأنت دولة ديمقراطية، أو ضدنا فأنت استبدادي"، معتبراً أن المساحة بين الأنظمة المتعارف عليها بأنها ديمقراطية واستبدادية كبيرة، واصفاً هذا النوع من التصنيف بالدعاية السياسية. وهذا يتوافق مع ما كانت تطرحه سابقاً، الكثير من الدول والقوى السياسية في المنطقة والعالم، عن ازدواجية المعايير والتصنيفات، مثل موضوع الإرهاب والمقاومة...
وختم "قرقاش" بالتأكيد على أن بلاده تنتهج سياسة "بناء الجسور" مع دول المنطقة، عازياً سبب ذلك الى أن بلاده المتوسطة الحجم لناحية عدد السكان، لا يمكن لها أن تتحرك إلا ضمن "تكتل عربي أو إقليمي"، في ظل منطقة تشهد تغييرات وظروفا قاسية. لافتاً بأن بلاده تؤمن بحل الخلافات مع الدول الأخرى، عبر السبل الدبلوماسية التي قد تستهلك وقتا أطول وصبرا أكبر، إلا أن عواقبها تبقى أقل بكثير مما سماها بـ"المواجهات المفتوحة".
وعليه، يمكننا الاستنتاج نسبة لما يمثله "قرقاش" من شخصية دبلوماسية مقربة جداً من حاكم الإمارات الفعلي "محمد بن زايد"، إلا أن الأخير سيقدم على خطوات إضافية مستقبلاً، تجاه الصين وروسيا وسوريا وإيران، وربما أيضاً تجاه قوى المقاومة في اليمن تحديداً ولبنان، بعدما تيّقن بأن أمريكا لا يمكن لها تأمين الحماية له. وهذا ما برز جلياً مع أتباعها مؤخراً، في أفغانستان وأوكرانيا.
الكاتب: غرفة التحرير