لم يدم التقارب الكبير الذي شهدته العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب طويلاً، حتى أصيبت العلاقات ما بينهما بالفتور الذي جعل الأخيرة مضطرة لرفع السقف بوجه الرئيس الأميركي جو بايدن، ليس للاستغناء عن واشنطن -نتيجة تجذر الهيمنة الأميركية في مفاصل المملكة- بل لأجل كسب مزيد من الدعم الذي جعله بايدن مؤخراً آخر أولوياته.
صحيفة "الغارديان" الفرنسية أشارت في تقريرٍ لها إلى ان "أسعار النفط والتوترات الدبلوماسية، أوصلت علاقات الولايات المتحدة مع حليفين كبيرين لها في الشرق الأوسط إلى مستويات متدنية".
وقال التقرير إن "الرئيس الأمريكي جو بايدن تحرك لإخراج كميات من احتياطي النفط الأمريكي لمواجهة زيادة أسعار النفط التي تسببت بها الحرب الروسية في أوكرانيا، إلا أن السعودية والإمارات أحكمتا إغلاق خزانات النفط".
متابعاً: لا يزال البلدان يرفضان مطالب الرئيس بايدن، في وقت زادت الأسعار، وكان البلدان واضحين في رفضهما للمطالب الأمريكية. وقال شولوف إن الحرب التي مضى عليها خمسة أسابيع في أوكرانيا زادت من التوترات في أنحاء مختلفة من العالم، وليس أوضح منها في نظام إقليمي مثل الشرق الأوسط، حيث بات أكبر حليفين في المنطقة يتساءلان عن معنى وأساس التعاون مع الولايات المتحدة.
وقال الكاتب مارتن شولوف وهو مراسل الصحيفة في الشرق الأوسط، إن "رفض السعودية والإمارات مساعدة بايدن أو حتى الحديث معه، دفع العلاقات بين دول الخليج وواشنطن إلى أدنى مستوى. وتقول الصحيفة إن التدفق غير العادي للأثرياء الروس إلى دبي، في وقت فرضت فيه الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات على روسيا وفلاديمير بوتين والفئة القريبة منه، زاد من اشتعال الأزمة. ويضاف إلى ذلك، المفاوضات المتعثرة بين واشنطن وطهران والتي قد تؤدي إلى تخفيف العقوبات عن إيران مقابل العودة للاتفاق النووي. ويحمل الاتفاق لو حدث إمكانية إعادة كتابة الجيوسياسة في المنطقة. وفي العادة يظهر المسؤولون في أبوظبي والرياض غموضا ويتعاملون بطريقة مبهمة، إلا أنهم أظهروا في الأسابيع الأخيرة فظاظة مع الزوار الأجانب حول طبيعة التظلمات ومدى استعدادهم لأخذها إلى مستويات أخرى".
وبحسب الصحيفة، فقد تحدث دبلوماسي غربي قائلا إن دبلوماسيا سعوديا أخبره: "هذه هي نهاية الطريق بيننا وبين بايدن وربما الولايات المتحدة". وعبر المعلقون السعوديون والإماراتيون عن مشاعر مشابهة. واختار مدير التحرير في قناة العربية، محمد يحيى، منبرا غير معهود، وهي صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية للتعبير عن رأيه بالمواجهة.
وكتب قائلا إن "العلاقات السعودية- الأمريكية تعيش أزمة. وإنني منزعج لعدم واقعية النقاش الأمريكي بشأن الموضوع، والذي يفشل بالاعتراف بخطورة وعمق الصدع". وأضاف أن "هناك حاجة لنقاش أكثر واقعية ويجب أن يركز على كلمة واحدة: الطلاق. فعندما تفاوض باراك أوباما على الصفقة النووية مع إيران، فهمنا، نحن السعوديون، أنه يحاول تحطيم العلاقة التي مضى عليها 70 عاما. ولمَ لا؟ بعد كل هذا، فالعيوب في الاتفاقية كانت معروفة. وتعبد الطريق نحو القنبلة النووية الإيرانية، وتملأ خزينة الحرب للحرس الثوري الإيراني، الذي ينشر الميليشيات في كل أنحاء العالم العربي، والمسلحة بالمقذوفات الدقيقة لتشويه وقتل الناس، الذين تطلعوا في الماضي إلى الولايات المتحدة كي توفر الحماية لهم".
وتساءل قائلاً: "لماذا يجب على حلفاء أمريكا الإقليميين مساعدة واشنطن على احتواء روسيا في أوروبا، في وقت تقوي واشنطن روسيا وإيران في الشرق الأوسط". وقارن يحيى مطالب واشنطن مع دبلوماسية بكين التي لا تخضع لأي قيود، قائلا: "في الوقت الذي تعاني فيه السياسة الأمريكية من تناقضات مثيرة للدهشة، فالسياسة الصينية بسيطة وواضحة، وتقدم بكين للرياض صفقة بسيطة: بيعونا النفط واختاروا أي نوع من السلاح الذين تريدونه من الكتالوغ، مقابل مساعدتنا على تحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة" و "بعبارات أخرى، يقدم لنا الصينيون ما يبدو وبشكل متزايد نموذجا قامت عليه العلاقات الأمريكية- السعودية التي حققت الاستقرار في الشرق الأوسط خلال الـ70 عاما الماضية".
وزار منسق الشرق الأوسط في البيت الأبيض، بريت ماكغيرك، الرياض عدة مرات في الأشهر الأخيرة، في محاولة لتعديل العلاقات التي توترت مباشرة بعد دخول بايدن البيت الأبيض، والذي رفض التحدث مباشرة مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. وأدى الموقف لتحديد نبرة المواجهة التي تبعت. ولا يزال الأمير ونظيره في أبوظبي محمد بن زايد قلقين من تصميم الإدارة الأمريكية على عقد صفقة مع إيران، والتي تعطيها حزمة إنقاذ شاملة من العقوبات مقابل التخلي عن القدرات النووية التي بنتها.
وبحسب الصحيفة فقد زاد من غضب السعودية ما تراه عدم دعمها في الحملة العسكرية في اليمن. وكذلك نهجها الذي ترى فيه السعودية والإمارات أن واشنطن مستعدة للتخلي عن حلفائها. وفضّل البلدان الدبلوماسية التعاقدية العارية التي تبنتها إدارة دونالد ترامب، ويتطلعان لعلاقة مشابهة مع الصين، وإقامة علاقات تجارية وطاقة وحتى علاقات أمنية.
المصدر: الغارديان