لا شك أن للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تداعيات على مجمل المشهد الأمني والسياسي والاقتصادي الدولي، بل إن تأثيراتها تطال النظام الدولي برمته، حيث من المتوقع أن يدخل هذا النظام مرحلة التحولات الخطرة، التي ستؤدي إلى قيام تكتلات وأحلاف متناقضة، خاصة أن هناك دولاً ترفض الهيمنة الأميركية، إلا أنها غير قادرة على المواجهة منفردة من خارج تشكيل هذه التكتلات.
لقد انعكست تداعيات هذا الصراع مباشرةً في الشرق الأوسط، خاصةً على أسواق النفط، والطاقة، وتوريد السلع وأسعارها، كما تأثر الأمن الغذائي الإقليمي، بفعل اعتماد عدد كبير من دول المنطقة على سلع أساسية قادِمَة من مسرح العمليات العسكرية.
هذا الصراع بدأت آثاره وتداعياته تمتد إلى السياسة، والأمن، وشبكة التحالفات، ومنظومة العلاقات بين دول المنطقة، خاصةً أمام ما هو موجود من تناقضات إقليمية، وخلافات بين دول المنطقة، وهشاشة مجمل النظام الإقليمي الموجود، إلا أن الحديث عن الانعكاسات في سوريا، تدفعنا إلى الحديث عن تداعيات سياسية وأمنية بالدرجة الأولى ومن ثم اقتصادية، نتيجة التحالفات والتكتلات الإقليمية التي تحصل على إثر هذه الحرب.
تتأثر سوريا كساحة صراع إقليمية، نتيجة تعدد الأطراف التي تعمل فيها، خاصةً أن أطراف الحرب الحقيقية في أوكرانيا، روسيا والغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، يتصارعون على النفوذ في بلاد الشام، وبالتالي فإن ما يحصل من مواجهة غير مباشرة في أوكرانيا، ستؤدي إلى نقاط خطيرة عدة، منها تفعيل العمل الأميركي في شمال سوريا وشرق الفرات لسدّ الطريق على أي تحرك روسي - سوري مشترك، مدعوم من محور المقاومة، ضد الوجود الأميركي شرقي الفرات.
كذلك قد تؤدي التوترات إلى قيام روسيا بدور معرقل للمصالح الامريكية في سوريا، وإذا تدهورت العلاقات بشكل أكبر وإذا لم تحترم الأطراف آليات تفادي الصراع، فسوف يرتفع منسوب خطر المواجهة، وسيكون أكثر جدية، كما سيلجأ الأميركيون إلى التضييق أكثر على تحركات القوات الروسية والحد من قدرتها على التحرك كنوع من الرد على الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ لا تريد واشنطن وحلف "الناتو" التدخل عسكريًا بشكل مباشر لردع روسيا في أوكرانيا، وعليه يمكن أن يحصل تصفية للحساب معها في ساحات بديلة، كذلك في محاولة للرد على العملية الروسية، يمكن أن تقوم واشنطن وتركيا بمصالحة بين الأكراد في سوريا، وتوحدهم في مواجهة دمشق، للمطالبة بالاستقلال الذاتي.
ومن ناحية أخرى، فإن ما يحصل لن يمنع الكيان الإسرائيلي من الاستمرار في استفزازاته العسكرية في سوريا، فالعدو يعتبر أن أعماله مدعومة ولديها تغطية مباشرة وغير مباشرة، من قبل واشنطن ودول الغرب ودول عربية. وأمام التقارب التركي الإسرائيلي، فإن ذلك يدفع إلى القول إن سوريا ستكون بمواجهة تحالف تركي - إسرائيلي جديد لمواجهة السيناريوهات الروسية المحتملة في سوريا، والمنطقة بصورة عامة، علماً أنه على المقلب الاخر فإنه سيكون هناك انفتاح سوري عربي أكثر من ذي قبل بدعم روسي، حيث أن الدول العربية سوف تكون أكثر انفتاحاً على علاقات يدفعها الروسي قدماً، بعد أن وجدت تراجع أميركي من المنطقة.
أما على مستوى العلاقة الروسية التركية السورية، فإن مواقف تركيا من العملية العسكرية الروسية، قد يشجّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على اتخاذ مواقف عملية أكثر ضد الرئيس إردوغان، ليس فقط في أوكرانيا، بل وفي سوريا ايضاً، ويمكن ان يحمل التحرك الروسي - السوري المشترك في المقابل مفاجآت مثيرة في إدلب بعد انتهاء العملية في اوكرانيا. لكن في المقابل فإن أي انكسار لموسكو في أوكرانيا، وهذا ما لم يحصل حتى الان، سيدفع أنقرة لاحقاً لتصعيد مواقفها ورفع سقف أطماعها في الأراضي السورية، وربما تقدم على عملية اجتياح واسعة لمناطق شمال شرق البلاد، وفرض ما عجزت في تحقيقه خلال السنوات الماضية، وهو مشروع المنطقة العازلة على امتداد الشريط الحدودي مع أراضيها، وهذا أمر مستبعد في ظل دعم الدولة السورية من قبل موسكو ومن قبل محور المقاومة.
أما على المستوى الاقتصادي، فإن سوريا تتأثر بالشق الاقتصادي فيما يتعلق بالمحروقات والسلع الغذائية والتبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي. كما يمكن أن يتشدد الأوروبيون أكثر في رفض المشاركة بأية جهود تبذلها روسيا للحصول على تمويل لإعادة البناء في مناطق سيطرة الدولة السورية.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع