بالرغم من تعّهد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية "جوزيف بايدن"، خلال حملته الانتخابية، بالعمل على إنهاء الحرب على اليمن. إلا أن أمريكا لا تزال تزوّد تحالف العدوان على اليمن، بالأسلحة الثقيلة والخفيفة، لاستكمال عملياتهم ضدّ الشعب اليمني. وتتظاهر الإدارة الأمريكية بحرصها على السلام، لكنها طرف رئيسي في العدوان على اليمن، فيكشف الواقع عكس ذلك تماماً، حيث تشهد بذلك صفقات السلاح المستمرة بمليارات الدولارات، بين واشنطن وعواصم تحالف العدوان، آخرها صفقة أسلحة جديدة أجراها "بايدن" مع "بن سلمان" بلغت قيمتها 650 مليون دولار.
سياسيًا، دعمت أميركا العدوان على اليمن منذ العام 2015، حين أثنى وزير خارجيتها "جون كيري" على "العمليات العسكرية التي تخوضها السعودية هناك"، مشيراً إلى أن "بلاده تدعم التحالف الذي تقوده السعودية من خلال مشاركة المعلومات الاستخبارية والإسناد اللوجستي إلى جانب المساعدة في عمليات والاستهداف". أما على صعيد الدعم اللوجستي والاستخباري والعسكري، فقد أنشأت واشنطن غرفة عمليات مع السعودية "خلية التخطيط المشترك" لتنسيق العمليات العسكرية والاستخبارية في اليمن وتوفير الدعم الأمريكي لتحالف العدوان جوًّا ولتبادل المعلومات. كما قررت الولايات المتحدة الأمريكية في نيسان/أبريل 2015 توسيع دورها في هذا العدوان، لتشمل مشاركة واشنطن في اختيار الأهداف التي تضربها طائرات تحالف العدوان، إلى جانب الإسهام في تفتيش السفن وتقديم الأسلحة.
وتستعرض هذه الورقة المشتريات العسكرية السعودية من الدولة الجائرة، وكيف تخفي أميركا الأرقام الحقيقية لهذه المشتريات، التي كانت السبب الأساسي في تسبب في وفاة نحو ربع مليون شخص، وفي مواجهة أكثر من نصف سكان اليمن مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي.
أولًا: المشتريات العسكرية السعودية من أميركا
في تقرير مفصل نشر على موقع "ميدل إيست آي" البريطاني عام 2019، قال أن الولايات المتحدة الأمريكية أبرمت صفقات لا تقل قيمتها عن 68.2 مليار دولار، لتوريد أسلحة نارية وقنابل وأنظمة أسلحة وتقديم التدريب العسكري مع السعودية والإمارات، منذ بداية عدوانهما على اليمن، وهو ما تزيد قيمته بمليارات الدولارات عما أعلن عنه سابقاً، بأن الصفقات الأمريكية السعودية تقدّر بـ 14 مليار دولار مع الإماراتيين والسعوديين، منذ شهر آذار/مارس 2015، وفقاً لبيانات مؤسسة Security Assistance Monitor البحثية، التي تعنى بمراقبة تجارة الأسلحة بين الدول.
أما معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام المعني بالبحث في الصراعات والتسلح ومراقبة الأسلحة ونزع السلاح، فيقول أن إجمالي قيمة صادرات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية، خلال الفترة الممتدة من العام 2010 حتى العام 2019 بلغت 16.213 مليار دولار. وكانت السعودية أكبر مستورد للأسلحة في العالم من 2015 إلى 2019، وهي السنوات الخمس الأولى من حرب اليمن. وزادت وارداتها من الأسلحة الرئيسية بنسبة 130% مقارنة بفترة الخمس سنوات السابقة. وكان الموّرد الاساسي للأسلحة الى السعودية هي أميركا، من العام 2015 إلى العام 2019. وجاء ما مجموعه 73 % من واردات المملكة من الأسلحة من الولايات المتحدة، و13% من المملكة المتحدة. وفي السنوات الخمس التي سبقت الحرب، بلغت قيمة نقل الأسلحة الأمريكية إلى السعودية 3 مليارات دولار. بين عامي 2015 و2020، وافقت الولايات المتحدة على بيع أسلحة بقيمة 64.1 مليار دولار إلى الرياض، بمتوسط 10.7 مليار دولار سنويًا.
بحسب الموقع البريطاني، تميل المبيعات الحكومية إلى أن تكون لأنظمة رئيسية، مثل الطائرات المقاتلة والدبابات والقنابل والسفن، التي يرجح استخدام بعضها في اليمن بنسب متفاوتة، يرجع هذا جزئياً إلى أنَّ إنهاء مثل هذه الصفقات قد يستغرق سنوات، وكثيراً ما تستحوذ على العناوين الرئيسية.
لكنَّ الأسلحة الأصغر مثل الأسلحة النارية والقنابل المباعة في الصفقات التجارية، هي ما يقول الخبراء إنَّ من المرجح استخدامها بصورة لا يمكن إثباتها في الصراع، وتسبب أضراراً كبيرة.
إذًا يدلّ التفاوت في أرقام فواتير صفقات التسليح الأمريكية السعودية، الى أن الولايات المتحدة الأمريكية تخفي الأرقام الحقيقية لمبيعات السلاح للسعودية والإمارات، وهذا دليل على مدى التوّرط الأميركي في العدوان على اليمن، وفي ارتكاب الجرائم الانسانية بحق الشعب اليمني. وهذا ما أكدّه "ويليام هارتونغ" مدير مشروع الأسلحة والأمن في مركز السياسة الدولية، وهو مؤسسة بحثية في واشنطن العاصمة تستضيف مؤسسة SAM، إنَّ البيانات التجارية تُظهر أنَّ بصمة الولايات المتحدة في اليمن "مذكورة على نحو أقل من الحقيقة إلى حد كبير"، لأنَّ المبيعات التجارية "نادراً ما تجري مناقشتها مقارنة بالصفقات البراقة الكبيرة مثل صفقات الطائرات المقاتلة".
قال هارتونغ: "من الصعب تخيل مثال أكثر مأسوية للعواقب السلبية لمبيعات الأسلحة الأمريكية، إنهم يدعمون أنظمة تقتل المدنيين وتتسبب في كارثة إنسانية.. هذه وصمة عار على الولايات المتحدة".
تتراوح الأسلحة في هذه الصفقات من أنظمة دفاع صاروخية إلى قاذفات القنابل والأسلحة النارية، لكنَّ معظمها عرض في صفقات من قبل شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية إلى الحكومتين السعودية والإماراتية.
وقالت كريستينا أرابيا، مديرة مؤسسة SAM، التي جمعت البيانات المستخدمة في هذا تقرير "ميدل إيست آي"، إنَّ هذا هو السبب في أنَّ الأرقام الإجمالية التي استخدمها الصحفيون والباحثون، حتى الآن، للصفقات الأمريكية المتحدة كانت منخفضة على نحو خادع، إذ أنَّ البيانات حول المبيعات التجارية يصعب الحصول عليها، بخلاف المبيعات الحكومية، إذ تنشر التفاصيل الإجمالية بعد وقت طويل من إخطار الكونغرس، يصل في بعض الأحيان إلى 18 شهراً.
ويقول الخبراء إنَّ تحالف العدوان، ما كان ليكون قادراً إلى حد كبير على شن حربه، دون الأسلحة الأمريكية. ذلك أنه بدءاً من عام 2017، كانت 3 أسلحة من أصل كل 5 أسلحة يستخدمها التحالف أمريكية الصنع، وذلك وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وتقول أرابيا إنَّ السبب الرئيسي في أنَّ القيمة الإجمالية العلنية لصفقات الأسلحة الأمريكية إلى التحالف الذي تقوده السعودية كانت أقل من القيمة الحقيقية يرجع إلى الطريقة الملتوية والغامضة لتتبع الصفقات التجارية والإبلاغ عنها. وتنشر الحكومة الأمريكية تفاصيل حول صفقات الأسلحة المبرمة مع الحكومات الأخرى من خلال برنامج "المبيعات العسكرية الأجنبية" كلما منحت الإدارة موافقتها. لكنَّ تتبع الصفقات بين الشركات الأمريكية التجارية لتصنيع الأسلحة والحكومات الأجنبية المعروف باسم "المبيعات التجارية المباشرة" هو أمر صعب. إذ تسجَّل بعض الصفقات على أنها ذاهبة إلى بلدان متعددة، لتخفي بذلك المستلمين الحقيقيين للأسلحة أو قيمتها بالدولار. وبعض الاتفاقيات الأخرى لا تحدد أنواع الأسلحة، وإنما فئات تقريبية مثل "أسلحة نارية وذخائر". وهناك أيضاً حدود دنيا، وهو ما يعني أنَّ بعض الصفقات ذات القيم المعينة المنخفضة لا يفصح عنها للكونغرس، على سبيل المثال، أي صفقة أسلحة تقل قيمتها عن مليون دولار، وبعض الصفقات تدرج فحسب وفقاً لمبلغ العتبة في حين تكون قيمتها أكبر من ذلك بكثير.
إذ أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية مؤخراً صفقة لتصدير الأسلحة إلى السعودية، تتعلق بأعمال متصلة بنظام الدفاع الجوي باتريوت، بقيمة "50 مليون دولار أو أكثر"، لكنَّ بيانات مؤسسة SAM تظهر أنَّ قيمتها تزيد في الواقع عن 195.5 مليون دولار. وقالت أرابيا إنَّ نتيجة هذه التقارير الغامضة أنَّ الجمهور يجهلون مكان بيع الأسلحة الأمريكية وعدد الأسلحة وإلى من تباع.
ثانيًا: التورّط الأمريكي في الجرائم الإنسانية بحق اليمن
منذ آذار / مارس 2015، أجرى باحثو منظمة العفو الدولية تحقيقات في عشرات الضربات الجوية وعثروا مرارا وتكرارا على بقايا ذخائر أمريكية الصنع:
(ملاحظة: الجرائم الإنسانية التي ارتكبت بحق اليمنيين كثيرة ولكن سنذكر أبرزها في هذه الورقة)
_في 9 آب/أغسطس 2018، ضربت قنبلة تابعة لتحالف العدوان حافلة مدرسية شمالي اليمن تحمل أطفالاً في رحلة مدرسية. استشهد 54 شخصاً، من بينهم 44 طفلاً. بعد ذلك بأسبوع، جرى إخطار الكونغرس بصفقة تجارية مع الإمارات بقيمة 344.8 مليون دولار مقابل قطع غيار نظام الدفاع الصاروخي باتريوت.
_أوردت شبكة CNN الأمريكية بتاريخ 17 آب/أغسطس 2018، أنَّ القنبلة المستخدمة في الهجوم على الحافلة المدرسية من صنع شركة لوكهيد مارتن الأمريكية، أكبر صانع للأسلحة في العالم. وبعد 3 أيام من بث تقرير CNN، أبرمت إدارة ترامب صفقة مع الإمارات بقيمة 14.4 مليون دولار مقابل قطع غيار البنادق.
_بتاريخ 22 نيسان/آبريل 2018، قصف طيارو تحالف العدوان حفل زفاف شمال غرب العاصمة اليمنية صنعاء، ما أسفر عن استشهاد 33 شخصاً. بعد ذلك بأيام أثبتت Bellingcat هو موقع صحافة استقصائية متخصصة في تدقيق الحقائق، أنَّ شركة رايثيون صنعت جزءاً من قنبلة عثر عليها في موقع الهجوم. ووافقت إدارة ترامب على صفقة تجارية مع السعوديين بتاريخ 21 حزيران/يونيو لبيع بنادق وقاذفات مقابل 2.1 مليون دولار.
_وفي 25 آب/أغسطس 2018، انفجرت قنبلة موجهة بالليزر في منطقة سكنية في صنعاء استشهد زوجين و5 من أطفالهم الستة على أثرها. وأثبتت منظمة العفو الدولية بعد شهر من ذلك أنَّ قطعة من القنبلة التي وجدت وسط الحطام صنعتها شركة رايثيون. بعد ذلك بأسابيع، في 6 أكتوبر/تشرين الأول، وافقت الولايات المتحدة على صفقة لإرسال نظام صواريخ ثاد الدفاعي بقيمة 15 مليار دولار إلى الرياض.
_في 28 حزيران / يونيو 2019، حددت منظمة العفو الدولية استخدام نفس قنابل ريثيون الأمريكية الصنع في غارة جوية نُفذت على منزل سكني في محافظة تعز باليمن، وأسفرت عن استشهاد 6 مدنيين من بينهم ثلاثة الأطفال.
_وفي كانون الثاني/يناير 2022، استخدم تحالف العدوان ذخيرة دقيقة التوجيه صنعت في الولايات المتحدة في غارة جوية على مركز احتجاز في صعدة شمال غرب اليمن، والتي تسببت، وفقًا لمنظمة أطباء بلا حدود، في استشهاد ما لا يقل عن 80 شخصًا وإصابة الجرحى.
قالت منظمة العفو الدولية إن القنبلة الموجهة بالليزر المستخدمة في الهجوم، والتي صنعتها شركة الدفاع الأمريكية "رايثيون"، هي أحدث قطعة في شبكة أوسع من الأدلة على استخدام أسلحة أمريكية الصنع في حوادث قد ترقى إلى جرائم حرب.
خلاصة القول أن السلاح الأمريكي ارتكب الكثير من جرائم الحرب منذ بدء العدوان على اليمن حتى يومنا هذا، ولكن يبقى السؤال لماذا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم يصدر قرارًا بعد بحق الدول التي ترتكب جرائم الحرب في اليمن على مدار 8 سنوات؟في الواقع، فإنَّ نفقات الأسلحة هذه كان من الممكن لها أن تمول النداء الإنساني للأمم المتحدة من أجل اليمن، الذي بلغ 4 مليارات دولار لأكثر من مرة.
الكاتب: غرفة التحرير