بدأت صباح اليوم الخميس، عملية عسكرية روسية خاصة في إقليم "دونباس"، بإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لها، شارحاً أن الظروف تتطلب من روسيا، اتخاذ إجراءات حاسمة وفورية، وفقًا للمادة 51 من الجزء الـ 7 لميثاق الأمم المتحدة، وبموافقة مجلس الاتحاد الروسي، وتطبيقاً لمعاهدات الصداقة والمساعدة المتبادلة التي صادق عليها البرلمان مع جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك. مشيراً إلى أن هذه العملية لا تشمل احتلال أوكرانيا، لكن ستهدف الى نزع سلاحها.
وعليه فإن هذه أمام عملية عسكرية، لن تقف أبعادها عند أوكرانيا ومنطقة شرق أوروبا فقط، بل ستؤدي بالتأكيد الى تداعيات على الساحة الدولية أيضاً.
مع الإشارة الى أن الأزمة التي أدت لهذه الخطورة الروسية، لم تكن وليدة الأيام والفترة القليلة الماضية، بل هي وليدة سنوات، كان للولايات المتحدة الأمريكية اليد الطولى فيها.
فما هي أبرز مراحل الأزمة الأوكرانية
_ بدأت الأزمة في أوكرانيا، منذ ما بعد عزل رئيسها "فيكتور يانوكوفيتش"، المقرب من روسيا الاتحادية، إثر ثورة ملونة احتجاجية سميت بالميدان الاوروبي، وامتدت منذ تشرين الثاني/يناير للعام 2013، حتى الـ 22 شباط/فبراير من العام 2014.
_ بعد أيام بدأت مجموعات مسلحة معارضة لحركة الميدان الأوروبي، في السيطرة على شبه جزيرة القرم، ذات الأغلبية السكانية من الناطقين باللغة الروسية. وقاموا بالسيطرة على مواقع استراتيجية وحيوية فيها، خصوصاً في عاصمة ما يسمى بجمهورية القرم ذاتية الحكم" سيمفروبول"، ومدينة سيفاستوبول التي تضم قاعدة بحرية روسية تشرف على البحر الأسود، بموجب ميثاق خاركيف للعام 2010.
وأدعت السلطات الاوكرانية الموالية للغرب، أن قوات عسكرية روسية شاركت مع هذه المجموعات في عملية السيطرة.
_ بعد ذلك، تم إجراء استفتاء شعبي في هذا الإقليم، صوت فيه السكّان بأغلبية ساحقة، لصالح الانضمام لروسيا، وعلى إثره قامت موسكو بضم القرم تحت سيادتها، فيما أعلنت العديد من الدول الغربية رفضها لهذا الضم.
_ من جهة أخرى، وفي شهر آذار من العام 2014، على إثر ما يسمى بأحداث الميدان الأوروبي أيضاً، تصاعدت مظاهرات مؤيدة لروسيا من قبل مجموعات إنفصالية في منطقة دونباس شرق أوكرانيا، ما أدى إلى تطور الأحداث نحو صراع مسلح بين الحكومة الأوكرانية وهذه المجوعات، التي أعلنت في 7 نيسان قيام جمهورية دونيتسك الشعبية، ولاحقاً في شهر أيار أجري استفتاء شعبي حسم استقلال هذا الاقليم.
_ وفي شهر آب من ذلك العام، عبرت قوات مدرعة روسية حدود دونيتسك من عدة مواقع، واعتبرت هذه المشاركة العسكرية الروسية المباشرة، هي السبب في هزيمة القوات الأوكرانية عند بداية أيلول. وقد أسفرت هذه الاشتباكات منذ بدايتها عن مقتل أكثر من 13 ألف شخص.
_ على إثر كل هذه الأحداث، أدانت العديد من الجهات الدولية ما سمته بالاعتداء الروسي على السيادة الاوكرانية، وقام كلاً مِن الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، لا سيما على أفراد وشركات فيها.
_ واستمرت الاشتباكات طوال السنين الماضية بشكل متقطع، وتجددت أواخر شهر آذار الماضي، واتهمت السلطات الاوكرانية موسكو بأنها تحشد قواتها العسكرية على الحدود المشتركة ما بين البلدين وفي شبه جزيرة القرم.
_ تدخل أمريكا منذ سنين عدًة في هذه المنطقة، وفقاً لهدف رئيسي عندها، وهو حصار روسيا، عبر تطويقها بمجموعة من الدول المنضمة لحلف شمال الأطلسي (حلف الناتو)، وعلى رأسهم اوكرانيا. وهذا من أهم أسباب ما حصل اليوم، والذي تعدّه روسيا تهديداً لأمنها القومي.
خاصةً وأن للبحر الأسود موقع جغرافي ذات أهمية جيوستراتيجية كبيرة، تطل عليه ثلاث دول اعضاء في حلف الناتو: تركيا، رومانيا وبلغاريا، وتخشى موسكو من اقتراب الناتو أكثر فأكثر من حدودها، لاسيما إذا ما انضمت أوكرانيا لهذا الحلف.
وعليه، ونظراً لتتشابكات هذه الأزمة وتأثيراتها الكبيرة على الساحة الدولية، يصعب الجزم في حدود هذه العملية، وإذا ما كانت ستتطور الى ما هو أبعد مما حصل اليوم. خاصة وأنها تعتبر حرباً هجينة تتداخل فيها أبعاد متنوعة: عسكرية ، سياسية ، اقتصادية (خاصة في مجال الطاقة)، وحتى اجتماعية.
الكاتب: غرفة التحرير