منذ سنين؛ والمنطقة تشهد تدافعاً أمنياً سياسياً لم يستكن على حال لأسباب متعددة؛ منها: تصدع النظام الرسمي العربي بغزو صدام لدولة الكويت عام 1990؛ وسقوطه كلياً بسقوط نظام صدام عام 2003. وقبل ذلك انهيار الحرب الباردة التي كانت قد وضعت المعادلات الأمنية والسياسية لهذه المنطقة؛ وما تبعها لاحقاً من تطورات أمنية وسياسية مهمة كانتشار التنظيمات الإرهابية والتكفيرية في المنطقة حيث واجهت دول المنطقة هذه التنظيمات ولازالت بالكثير من المصاعب ودفعت بعض الدول كالعراق ضريبة غير عادية في مسار مواجهة هذه التنظيمات الإرهابية .
وحتى نكون أكثر وضوحاً، فإن « صراع الارادات » كان واضحاً في كل هذه السنوات العجاف خاصة في ظل وجود القوات الأمريكية التي احتلت العراق عام 2003 وقبل ذلك احتلت أفغانستان في العام 2001.
إن الحديث عن « العٌقدة الايرانية » دون أخذ تطورات المنطقة الجيوسياسية والجيوأمنية قفزٌ على متغيرات أساسية عانت منها دول المنطقة ولا زالت تعاني جراء فقدان المنطقة للنظام الأمني والسياسي الذي يحكم مصالح دول المنطقة.
استغربت وأنا اقرأ وجهة نظر خليجية بشأن « العٌقدة الإيرانية » وكأن إيران هي الدولة الوحيدة في هذه المنطقة التي سببت التصدع للأمن والمصالح القومية متناسية أن إيران في كل ذلك كانت تشعر بأنها المستهدفة في كل ما حصل بما في ذلك احتلال العراق عام 2003 من قبل القوات الأمريكية.
أنا لا أتحدث إن كانت إيران محقة في تحليلها وقراءتها للتطورات الإقليمية أم لا؟ لكن يجب أن لا يغيب عن بالنا أن إيران تشعر أنها مستهدفة في إنجازاتها وفي أمنها لما يحدث في المنطقة، وبذلك فهي تعمل من أجل دفع الضرر من خلال تواصلها مع المجموعة الغربية كما حدث في الإتفاق النووي؛ أو مع الشرق كما حدث في الإتفاق الذي وقعته مع الصين. ويجب أن لا ننتظر من إيران البقاء مكتوفة الأيدي وهي ترى التحالفات والتطبيع والتسليح الذي يسير على قدم وساق في المنطقة .
في العام 2014 كنت في مؤتمر سياسي قريب من دولة خليجية أقيم في باريس؛ قلت بشكل واضح استناداَ لمعلومات كنت امتلكها آنذاك أن إيران أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الإتفاق مع المجموعة الغربية، وأن كل المؤشرات كانت تشير الى التوصل لهذا الإتفاق؛ ودعوت الدول الخليجية الى الإنسجام مع هذا الإتفاق بعدما كانت هذه الدول تطالب إيران الحوار مع الولايات المتحدة والإتفاق معها لتجنب المنطقة الحرب والتوتر والتأزيم . لكن مع الأسف هذه الدول تمسكت بموقف مغاير. راهنت على تفكيك الإتفاق بالتعاون والتنسيق مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي انسحب من الإتفاق ووضعت ما تملك من البيض في السلة الأمريكية لتقليم الأظافر الإيرانية وقطع أياديها من المنطقة. الآن ما الذي حصل؟ سقط الرئيس ترامب في الإنتخابات، وعادت اللعبة من جديد على واقع جديد، وعادت مرة أخرى « العٌقدة الإيرانية ».
أنا أتفهم القلق الخليجي وأهميته؛ لكن السؤال هل يمكن لنا تصور إزالة هذا القلق بالخيارات المستخدمة سابقاً التي أثبتت عدم فاعليتها؟ وهل أن المسارات السابقة يمكن لها أن تحل هذا القلق؟.
أمامنا جملة حقائق يجب أن تٌأخذ بعين الإعتبار من أجل إزالة القلق وهو حق طبيعي .
أولاً: اللجوء لــ « الواقعية السياسية » أمر مهم يستطيع أن يساهم في قراءة التطورات بعناية.
ثانياً: الإقتناع بقدرة دول الإقليم لرسم معالم النظام الأمني الذي يحفظ مصالح جميع دوله على أساس رابح رابح.
ثالثاً: ومن ثم الإقتناع أن الحوار الإقليمي يستطيع أن يصل الى نقطة تعايش لجميع دول وشعوب المنطقة بالشكل الذي يحفظ لها مصالحها القومية والوطنية بعيداً عن أجندات القوى الخارجية.
وسوف أكون واضحاً؛ إحياء الإتفاق النووي سيحصل عاجلاً ام آجلاً، وستعود الولايات المتحدة لطاولة 5+1، وستٌوضع أطر تفاوضية لقضايا أخرى. وسوف لن يسمح لأي طرف آخر الجلوس على طاولة 5+1؛ وستتعامل إيران بأكثر قوة مع الجانب الغربي من مرحلة مابعد عام 2015 كما أنها ستكون أكثر انفتاحاً على الجانب الصيني والروسي. السؤال ماذا تريد الدول الخليجية أن تعمل؟ هل ستنتظر لما بعد الإتفاق أو الإتفاقات الجديدة؟ أم أنها ستعمل على مواجهة ذلك؟ وإذا ما اتخذت قرار المواجهة فما هي النتيجة؟ هل ستكون كسابقتها؟ أم أن هناك خيارات أخرى؟
اعتقد أن « الواقعية السياسية » تفرض على دول الإقليم الإسراع بالإنصياع لمبادرة سياسية إقليمية ترسم مصالح الإقليم للتحرر من « العٌقدة الايرانية ». وليس مهماً من يطرح المبادرة هذه الدولة أو تلك. المهم الجلوس على طاولة حوار لمناقشة القلق المتبادل والتوصل إلى حلول.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع