يخوض حزب الله، وتحديداً منذ العام 2006 إلى جانب الحرب العسكرية في مواجهة "إسرائيل" حرباً نفسية بالقوة والكفاءة نفسها التي خاض فيها الحرب العسكرية.
لقد حقق حزب الله الانجازات والانتصارات، وكل ذلك من خلال الابحاث والدراسات التي قامت بها المقاومة عن مكونات الشخصية الاسرائيلية، والذاكرة الاسرائيلية الجمعية. كل ذلك مكّن المقاومة، ومنحها القدرة والمقدرة لتحقيق عنصري المفاجأة والمباغتة.
قال رون شليفر مؤلف كتاب" الحرب النفسية في إسرائيل" أن "حزب الله شرع بحرب طويلة الأمد تجمع بين حرب العصابات والحرب النفسية، وبعد 15 عاماً حقق هدفه، مقنعاً إسرائيل بأنه ليس أمامها الكثير لتكسبه، بل الكثير لتخسره ببقائها في لبنان".
كًتب الكثير عن المواجهات العسكرية، لكن الحرب النفسية هي عالم من الابحاث والدراسات والخطط السرية. سنحاول هنا الاضاءة عن ماهية هذه الحرب وأهميتها وأدواتها؟
ماهية الحرب النفسية
إن تعريف الحرب النفسية ومقاربتها مقاربة علمية، هو أمر شائك، وبالغ التعقيد. فهناك من رأى أنها "الحرب التي تستخدم فيه الدعاية من أجل التأثير على أشخاص بين أوساط العدو"، وثمة من اعتبرها " عمليات تستخدم فيها وسائل الاقناع على نحو غير عنفي، لتحقيق أهداف الحرب العسكرية"، وثمة من وصفها بـ "العمليات العدائية" وهدفها تحقيق الغايات المطلوبة عسكرياً في زمن السلم. في حين هناك من قال بأنها " عملية منظمة شاملة، يُستخدم فيها من الادوات والوسائل ما يؤثر على عقول ونفوس واتجاهات الخصم".
أهمية الحرب النفسية
تحظى الحرب النفسية لدى الحكومات على المستوى السياسي، ولدى القادة العسكريين والجيوش على المستوى العسكري بأهمية عظيمة، وتلقى الاهتمام والعناية والرعاية، وتقوم الدول بالتوظيف في سبيل الحرب النفسية كل الامكانات والمقدرات والموارد سواء البشرية أو المادية، بوصفها أخطر أسلحة الحرب فتكاً، وأشدها تأثيراً، وأكثرها خطراً، وأقلها كلفة؛ الحرب النفسية تثير الفتن والقلاقل والصراعات في جبهة العدو الداخلية وقتل الروح المعنوية، كذلك كسر إرادة صمود العدو، وتدفعه الى الاستسلام، بعد كبح وعيه واندفاعه، وهي تعمل على سلبه قواه الرمزية الفاعلة، وتجعله يتقهقر بطريقة لا إرادية، مخلّفاً وراءه الخسائر الجسيمة.
مميزات صُنّاع الحرب النفسية
حدد "لينبرغر" مميزات صانع الحرب النفسية كالتالي:
اطلاع جيد على مختلف الفنون العسكرية وتقنيات العمليات الحربية، هذه الصفة تسمح بالتناغم والتنسيق بين الدعاية ومواقف القتال.
اطلاع واسع على سياسة الحكومة وخططها وأهدافها. تسمح هذه الصفة بالتفسير الدعائي السليم والواثق.
اطلاع نظري ومهني على مختلف وسائل الاعلام وتقنياتها الحديثة.
اطلاع وثيق على نظريات العلوم الحديثة، وخاصة المتعلقة بعلم النفس الحديث وتجاربه، وعلوم السياسة والتاريخ والاجتماع والبيئة والأعراف والرأي العام والدعاية وما يتفرع عنها، هذا الاطلاع يضفي على صانع الحرب النفسية صفة المثقف.
اطلاع دقيق على العادات الاجتماعية، نمط التفكير والسلوك، التاريخ، الواقع السياسي، اللغة، المعتقدات في مجتمع الصديق ومجتمع الخصم المستهدف. هذا الاطلاع يمكنّه من "القفز بين الحبال" بمهارة كما يقال.
ويزيد "لينبرغر" معلقاً: "إن الرجل الذي يقدم نفسه بأنه تتوافر لديه كل هذه المؤهلات الخمسة يكون إما منافقاً، إما عبقرياً وإما كليهما".
ويمكن بالإضافة الى الكفاءات المدونة أعلاه، زيادة كفاءة سادسة وتحذير واحد، أما الكفاءة السادسة فهي حاسة شم سياسية قوية يستطيع صانع الحرب النفسية من خلالها تحديد مدى الفعل الايجابي أو السلبي في أي مناخ سياسي، سواء كان هذا المناخ ضيقاً، محلياً إقليمياً أم دولياً.
أما التحذير فهو ألا يتم اختيار صانع الحرب النفسية من الاشخاص الحاقدين على الخصم. فالحقد يعمي بصيرته عن استدراك ردود فعل الخصم، ويمتلكه ميل نحو التهور الانفعالي في مضمار عمله النفساني.
لكن اليوم ومع التطور العلمي والتكنولوجي، أصبحت للحرب النفسية قادة وعناصر لكل منهم مهمة واضحة، وأصبحت مؤسسة أو جهاز له هيكليته وتنظيمه، وله الموارد المادية والبشرية التي تتمتع بالكفاءات والخبرات والمهارات اللازمة لعملها وفق الصفات التي وضعها "لينبرغر" لصانع الحرب النفسية.
الدعاية الإسرائيلية
استخدم الكيان الإسرائيلي الكثير من السياسات الدعائية التي تقوم على صناعة وصياغة فبركات وتلفيقات وأضاليل ومزاعم وأكاذيب وأساطير يهودية تلمودية.
حاول الاسرائيلي أن يتمظهر بغير مظهر، وادعاء امتلاكه للأخلاق، على نحو يتواءم مع تحسسات الناس على اختلافها وتبيانها، ويتنساب مع مستوياتها كافة رغم تفاوتها وتفارقها، وحاول التماهي مع الأفكار والمعتقدات رغم تعدد المشارب والميول.
ويُسجل للدعاية الاسرائيلية قدرتها على تظهير ممارسات العرب بصورة ممائلة لممارسات النازيين الألمان.
الجدير بالذكر، أن ابداعية الدعاية الاسرائيلية، وقدرتها الخلاقة على التأثير والفعل؛ لم يكن بأي شكل من الأشكال بسبب توافرها على قدرات وأسباب قوّة ذاتية فحسب؛ بل بسبب غياب إستراتيجية عربية دعائية دفاعية مضادة من شأنها موجهة غريمتها، وتعطيل تأثيراتها، وإفساد خططها وبرامجها حتى قيل "إن الدعاية الصهيونية تسبق الأحداث والدعاية العربية تلهث وراءها".
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
الكاتب: نسيب شمس