أرمينيوس فامبيري، شخصية تاريخية غير معروفة، هو المستشار السياسي لثيودور هرتزل ومن أشدّ المدافعين عن السياسة البريطانية في الشرق، وأيضًا مستشار السلطان العثماني وجاسوسًا لوزارة الخارجية البريطانية في ستينيات القرن التاسع عشر، قام لأول مرّة بصياغة وتقديم فكرة القومية التركية، التي تهدف إلى توحيد جميع الأراضي التي ينطق سكانها إحدى اللغات التي تعود جذورها إلى اللغات الألطية (Altaic Languages).
في ذلك الوقت، كان الهدف من خطة مناهضة روسيا، زيادة النفوذ البريطاني في آسيا الوسطى ومواجهة الخطر التي تتعرض لها المصالح البريطانية في شبه القارة الهندية.
طرحُ هذه الفكرة من قبل فامبيري والبريطانيين، هدف في الأصل إلى إنشاء حزام من اللغات الألطية(Altaic) جنوبي روسيا لمنع التوسع الروسي نحو المستعمرات البريطانية في الهند.
من جهة، نصح فامبيري هرتزل بإقامة دولة يهودية مستقلة، وفي هذا الاطار، مارس ضغوطًا على السلطان العثماني كي يوافق على انتزاع فلسطين من العثمانيين والتعاون مع الوكالة اليهودية، اضمحلال الإمبراطورية العثمانية والخلافة الإسلامية وانهيارهما الداخلي وأيضًا فصل الأراضي العربية عن الخلافة. من ناحية أخرى، ومن أجل مصالح الامبراطورية البريطانية، جرى الحديث مرة أخرى عن الجذور المشتركة للقوميات التي تعيش على طول سور الصين العظيم حتى نهر الدانوب.
في الأسبوع الماضي، حاول الزعيم "الأكثر خبرة في العالم" اغتنام الفرصة بعد حرب ناغورني كاراباخ (مرتفعات قره باغ)، من خلال عقد قمة المجلس التركي في اسطنبول، بعد سنوات من منع أرمينيا الوصول إلى القوقاز وآسيا الوسطى عبر سدّ المعبر البري، وخط السكة الحديدية التي تربط تركيا بآسيا الوسطى.
من منظور منظمة الدول التركية، التي تضم كلاً من تركيا، آذربيجان، كازاخستان، أوزبكستان، قيرغيزستان والمراقب التركماني الجديد، يُزعم أن الممر الأوسط هو أقصر ممرٍ للنقل وأكثر أمانًا بين الشرق والغرب، والذي من خلاله سيتم تحقيق انضمام الدول الأعضاء إلى سلسلة التوريد والقيمة الإقليمية والعالمية. وتنوي أنقرة بغض النظر عن الحقائق السياسية والقانونية واتفاقية وقف اطلاق النار في الممر الأوسط، استخدام ممر الشرق والغرب العابر لبحر قزوين والممتد من الصين إلى أوروبا، باعتباره الشريان الرابط للكتلة.
لكن هناك عدة عوامل تجعل هذا المولود عقيمًا. أولاً، إلى جانب تاريخ بناء هذه الكتلة، هناك التنوع القومي للمجموعات التي تعيش في هذه البلدان، والتي يمكن التعبير عنها بفسيفساء التنوع العرقي، والمخاوف الحقوقية الأساسية لهذه المجموعات غير التركية في المنطقة الجغرافية القائمة. ويتضح التنوع العرقي والقومي في جمهورية تركيا وفقًا لإحصاءات موثوقة، أن 70٪ تقريبًا من السكان هم من الأتراك وحوالي 30٪ من الأكراد الذين كانوا أتراكًا جبليين لسنوات ومحرومين من الحقوق الأساسية وحتى الاعتراف الرسمي بهم.
ثانيًا، السياسة الخارجية لأنقرة، التي هي نتاج الوضع الاقتصادي غير المستقر. فالاقتصاد التركي المتعثر وأزمة هبوط الليرة، الديون الخارجية المتراكمة للحكومة والضغوط الاقتصادية دفع الى تغيير سياسة أنقرة الخارجية وبذل الجهود، التي أدّت الى تحسين العلاقات مع دول عربية (السعودية ومصر) الحليفة لأميريكا.
هذا ويجري تقييم المساعي الأخيرة لتطبيع العلاقات مع السعودية التي تأزمت بعد اغتيال جمال خاشقجي عام 2018، وكذلك العلاقات مع مصر التي توترت منذ 2013، عندما تمّ الإطاحة بمحمد مرسي.
ثالثًا، إذا أصبحت هذه الكتلة العرقية قوة سياسية، فسنرى بلا شك اضطرابًا في ميزان القوى الإقليمي بين روسيا والصين.
ولا يمكن أن تكون الصين خاسرًا استراتيجيًا كبيرًا في هذه التطورات، حيث تعتزم الاستثمار بكثافة في دولها المحيطة، خاصة في آسيا الصغرى، في إطار خطة "حزام واحد، طريق واحد".
وإذا أدت اضطرابات الوحدة التركية، في ظل وجود الأويغور في شينجيانغ، إلى العداء مع الصين، فمن الواضح أن العديد من الحكومات ستحرم من ميزة رأس المال الصيني في قالب "حزام واحد، طريق واحد".
رابعًا، بلا شك، إذا افترضنا أن أرمينيا هي وسيلة تحقيق هذه الفكرة (وهو أمر مستبعد جدًا) فلن ينالها غير الفوائد المادية المؤقتة، أولًأ لأنها الدولة الوحيدة غير التركية في هذه المنطقة الجغرافية، وثانيًا إذا تحقق الممر، فستساعد في تعزيز مصالح أعدائها في جوار يريفان.
العوامل المذكورة أعلاه والاختلافات العميقة وأحيانًا تضارب المصالح الوطنية بين الدول التي يشار إليها بالدول التركية، والتي ليس لها حتى خلفية تاريخية مشتركة سيكون لها تأثير كبير على فشل هذه الكتلة الجديدة.
من المناسب في منطقة توجد فيها منظمة قديمة ومرغوبة للتعاون والتفاعل بين أعضائها دون حدود عرقية، أن تحاول أنقرة والأعضاء الآخرون احترام القوانين والمقررات الدولية وتلافي تصعيد الخلافات في إطار منظمة التعاون الاقتصادي"اكو" وتفعيل قدراتها لتستفيد منها شعوب المنطقة الذين يستحقون مستوى معيشي أفضل ورفاه، سلام وأمن وتنمية اقتصادية مستدامة ببركة التعاون بين الدول العشر الأعضاء، من حدود الهند إلى شواطئ البوسفور.
من خلال معالجة هذه القضايا، يمكن لقمة منظمة التعاون الاقتصادي "اكو"، في عشق آباد أن تكون بمثابة نموذج للتعاون الإقليمي بين البلدان ذات القواسم الثقافية والحضارية المشتركة والتي تعود لقرون خلت.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
الكاتب: الباحث الايراني علي فهيم دانش