حدثان مهمان مرّا يوم امس 8-9-2021. الأول سياسي، حيث التقى وزراء الطاقة في الدول الأربع سوريا ولبنان والأردن ومصر من أجل تصدير الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان. والثاني، هو خبر ينتظره الجميع بعد أخذ ورد منذ نهاية شهر تموز/ يوليو وحتى يوم البارحة، ألا وهو دخول الجيش العربي السوري إلى درعا البلد وبدأ انتشاره حتى الحدود مع الأردن، وإخراج المسلحين وتسليم سلاحهم أسواء كان فردياً أم جماعياً، ودخول الدولة بشكل نهائي.
ولكن السؤال الأهم هل ثمّة ارتباط بين هذين الأمرين ببعضهما البعض؟
فيما ينتظر وصول الغاز إلى لبنان، هناك أمور لوجستية واستراتيجية تتعلق بأنابيب نقل الغاز، وبالتالي فهي ترتبط بموضوع حمايتها من الهجمات الإرهابية. ولأن سوريا تراقب بحذر تجارب الآخرين، مثل تفجير داعش لأنابيب الغاز المصري في سيناء في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، وتجاربها مع الإرهاب، من تفجير لأنابيب النفط والغاز ومنشآت استخراج النفط على أراضيها، لذا لا يمكن لسوريا أن تدخل في هذا المشروع المهم، الذي سيخرق في الصميم قانون قيصر، إلا بخطى ثابته.
وفي هذا الإطار، أكد مصدر المطلع لنا: "إن خط الغاز من ضمن الأمور اللوجستية التي يجب أن يحضّر له عبر تأمين درعا تأميناً كاملاً"، وبالتالي يجب إخراج الإرهابيين نهائياً من درعا، وأضاف "بالنسبة لدمشق يشكل هؤلاء مصدر قلق، وإن كانوا جزء من إتفاق التسوية الذي يرعاه الروسي"، وقال: "لم يعد الأردن قادراً على حمل تبعات الحرب على سوريا من مشاكل نازحين وقلق أمني على الحدود، وبالتالي يجب تأمين خط الغاز العربي". والأمر الثالث، "إنّ اتفاق استجرار الغاز المصري عبر الأردن والكهرباء الأردنية الى لبنان، أمر تم بمباركة أميركية وبمساعدة البنك الدولي من أجل إعادة تأهيل الأنابيب، و"اسرائيل" لن تكون قادرة على السير بعكس هذا التيار.
فهي لم يعد لديها أية مكاسب من دعم وبقاء المسلحين، الذين باتوا عبئاً عليها، ولن تستطيع أن تنتج منهم جيش لحد آخر، لأن ولاء هؤلاء ليس لها، بل هو للدول التي أنشأتها مثل تركيا، قطر، أو السعودية. فالمسلحون مرتبطون بهذه الدول عقائدياً وفكرياً وأهم من هذا وذاك مالياً، وبهذا فهم يمثلون خطرًا على حدودها"، اذ قد يغدو هؤلاء ورقة بيد عرب أبراهام ضدها.
وعليه تبرز أهمية قراءة انتصار الدولة السورية في فرض قرراتها المطلقة في درعا البلد وما تبعه ذلك من متغيرات على المستوى الدولي. فعلى مستوى العلاقة ما بين الروس وسوريا، فقد نشر موقع RT مقالاً عن احدى الصحف الروسية، يشرح أهمية القرار السوري بإخراج المسلحين من درعا البلد، ومن منطقتي المخيم والسد تالياً، وسحب السلاح الخفيف قبل السلاح المتوسط. وتحدث المقال بوضح عن نهاية اتفاق الروس و"الإسرائيليين" إبان زيارة نتنياهو إلى روسيا في العام 2018، وأن الروس بتسليم درعا البلد للجيش السوري، فإن ذلك معناه أن الإتفاق قد سقط، وأن التهديد الروسي بقصف المسلحين الإرهابيين لم يأت إلا بعد قناعة بقرار الدولة السورية.
خلال الأيام الماضية من معارك درعا، كان حزب الله على أتم الإستعداد لدعم الجيش السوري، إلا أنه لم يدخل المعركة، ولكن التسريب عن وجود قواته بحسب المصدر رسالة هامة لها دلالاتها يقرأها الكيان العبري: "ألا وهي استعداد حزب الله للدخول في المعركة اذا ما حاولت "اسرائيل" التدخل لدعم المسلحين الإرهابيين".
تعتبر درعا البلد في هذه المرحلة أولوية، خاصة وأنها تبعد حوالي 3 كم عن الحدود مع الأردن وعبر أراضيها سيمر خط الغاز العربي. وبعد المحاولات الفاشلة لجر لبنان إلى عضوية منتدى شرق المتوسط للغاز، إلى جانب "اسرائيل"، واتضاح أن تحقيق ذلك أمر مستحيل، دخل البلد في متاهة الإنهيار الإقتصادي، والتي كشف لغز ممراتها إعلان السيد حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، ببدء استيراد المشتقات النفطية من إيران، كُشِف لغز المتاهة، فجاء الإنفتاح بإيعاز أميركي من أجل إدخال الطاقة إلى لبنان من مصادر أخرى. ودون إنهاء وجود القوى الإرهابية المسلحة لا يمكن حماية خط الغاز العربي الممتد من مصر عبر أراضي محافظة درعا باتجاه دمشق وصولاً إلى حمص، ومن هناك نحو مصفاة دير عمار في طرابلس، الخط الذي كانت سوريا تمد لبنان بالغاز عبره قبل الحرب عليها. وهذا الخط تعرض لعمليات تخريب خلال سنوات الحرب على سوريا.
ولكن اليوم وضمن قرار "لا سلاح إلا سلاح الدولة" سيكون وصول الجيش السوري، خلال المرحلة القادمة، ليشرف على الحدود مع الأردن على طول وادي اليرموك في الجنوب الغربي لسوريا، والذي ينتهي عند حدود الحمة السورية وحدود اتفاق وقف إطلاق النار في العام 1974. وبناء عليه فإنه يتحتم على سوريا اليوم الإستمرار في عملية تحرير الريف الغربي في درعا، ومتابعة كسر حصار الإتفاق الروسي - "الإسرائيلي" وعودة الجيش السوري لحماية حدوده من الإرهاب وإشرافه المباشر عليها بعد ثبات فشل التسوية الروسية مع ارهابيي درعا، وهي الأشهر التي ستفصلنا عن مرحلة استجرار الغاز والكهرباء.
الكاتب: عبير بسّام