استكمالاً للانتصارين الكبيرين، تحرير الجنوب عام 2000 وحرب تموز 2006، كان "التحرير الثاني" انتصاراً جديداً ومفصليّاً، لما كانت للمعركة من أهمية استراتيجية ولخطورة الوضع في جرود لبنان الشرقية.
أسباب المعركة
كان القرار الحاسم بالدخول في المعركة بعد المعرفة الدقيقة بتقدّمات المجموعات الإرهابية والتهديد الذي باتت تشكله. فكانت تسيطر على مساحة 3684 كم مربع داخل الاراضي السورية واللبنانية. وأعلنت تلك المجموعات عن نيّتها إقامة "إمارة داعشية"، لتكون في الحد الأدنى البقاع أو بعلبك الهرمل باتجاه الشمال وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط أرضها الأولية، وقتل من يمكن قتله من أهالي هذه المناطق واتخاذ البقية رهائن من أجل المفاوضة عليهم مقابل سجناء لها في رومية وفرض شروطها على الدولة اللبنانية. وكانت ضرورة الدخول في المعركة أيضاً، من أجل قطع الطريق أمام السيارات المفخخة التي طالت الضاحية الجنوبية وقرى في بعلبك الهرمل والشمال وادّت الى سقوط 142 شهيداً و937 جريحاً.
تداعياتها في الداخل
أدّى هذا الإنجاز العظيم الى تداعيات إيجابية على الصعيد الداخلي اللبناني أبرزها:
_ قرار سيادي لبناني: دخول الجيش اللبناني الى جانب حزب الله، بعد قرار من الحكومة اللبنانية وإشراف رئيس الجمهورية ميشال عون مباشرة على سير المعركة وتقدّمات الجيش. على الرغم من كلّ الضغوطات الامريكية والرسائل التي سعت لوقف أو تأجيل المعركة، عبر التهديد بوقف المساعدات للجيش اللبناني، مضت الدولة اللبنانية مصرّة على القرار حتى اللحظات الأخيرة وحتى التحرير الكامل لكل الجرود. وفي هذا يمكن القول حين تتخذ الدولة اللبنانية قرارها ولا تخضع لتهديدات واشنطن وإدارتها، فأنها قادرة وتملك من الجرأة والإمكانات ولن يستطيع الأمريكي من منعها.
_ أبطل "التحرير الثاني" عملية انتقال المعركة مع الجماعات الإرهابية التي كانت تدور في بعض الأراضي السورية والعراقية الى الداخل اللبناني، وحفظت السلم الأهلي.
_تثبيت معادلة "جيش، شعب، مقاومة"، كضمانة أولى لحفظ أمن واستقرار واستقلال وسيادة لبنان.
_ تراكم خبرة لدى الجيش اللبناني والمقاومة يستفاد منها عند أي حرب قد تقع ضد الكيان الإسرائيلي.
_ تقديم لبنان في الأعلام وأمام العالم والرأي العام كدولة أنهت الإرهاب على أرضها. فيكون نموذجاً أمام الدول المهدّدة وتشجيعاً للشعوب على المقاومة.
_سمح بالكشف عن مصير الجنود اللبنانيين المختطفين لدى "داعش" و"جبهة النصرة"، واسترجاع جثامين شهدائهم، كما جثامين خمسة شهداء للمقاومة.
انعكاساتها الإقليمية والدولية
رسّخت هذه المعركة أواصر التعاون المشترك بين الدولتين اللبنانية والسورية. فقد كان الجيش العربي السوري يقاتل صفاً واحداً مع الجانب اللبناني، وتدخّل للمساعدة في مناطق لبنانية لم تكن نيّته الدخول فيها، لكن القيادة السورية قبلت طلب المساعدة بالرغم من أولوياتها القتالية في مناطق أخرى. و"تحمّلت حرجاً" للمفاوضة بشأن الجنود اللبنانيين المخطوفين. وأكدّت ان المصلحة اللبنانية هي بحفظ العلاقات مع سوريا، بل بتحسينها أيضاً.
على المقلب الاخر، برز الانزعاج والغضب من جانب الولايات المتحدة الامريكية ومن جانب الكيان الإسرائيلي من سير المعركة وانعكاساتها والانتصار فيها.
فواشنطن التي عملت على دعم الجيش اللبناني بالمال والعُتاد – والسبب بحسب اعترافاتها، لكي تجعله قادراً على مواجهة حزب الله- فشلت خططها وأهدافها، مصرحة ومعاتبة في لقاءات سفيرتها مع مسؤولين لبنانيين: "ما كان يجب ان تسمحوا لحزب الله أن يقوم بهذه العملية".
بدوره، اعترف كيان الاحتلال بهزيمة مشروعه وأدواته وأصدقائه في سوريا، الذين كان يراهن عليهم كثيراً في ضرب عمق حركات المقاومة الإستراتيجي، بل وضرب حلقة الوصل لمحور المقاومة برمته.
لذا بعد أربع سنوات على "التحرير الثاني"، يبقى خيار المقاومة هو السلاح الأول بوجه أي اعتداء على لبنان وأرضه وشعبه ومياهه وجوّه. فكما كان التكامل بين عناصر القوة اللبنانية والتنسيق العالي فيما بينها والثبات على الموقف هو سرّ النّصر العسكري والميداني في الجرود، فإن ذلك أيضا سيكون من أهم أسباب التغلب على الحصار الاقتصادي، وتخطي الأزمات السياسية والمعيشيّة في لبنان.
الكاتب: غرفة التحرير