الثلاثاء 27 أيار , 2025 03:02

بين التجارة والعسكرة.. شرق أوسط جديد على طريقة ترامب

ترامب يغير السياسة الأمريكية الخارجية تجاه المنطقة

هل غيّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منهج الولايات المتحدة تجاه السياسة الخارجية في منطقة "الشرق الأوسط"؟ يتناول المقال الذي نشرته صحيفة "ذا ناشيونال انترست" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، التحول الواضح في السياسات الأمريكية التقليدية التي سادت لعقود طويلة. ويشير المقال إلى أن ترامب يتبنى رؤية جديدة تقوم على إعادة تقدير الدور الأمريكي، مع اعتماد أسلوب أكثر واقعية وتحفظًا في التعامل مع قضايا المنطقة. أولاً، يشير المقال إلى أن ترامب ينأى بنفسه عن الأساليب التقليدية القائمة على التدخلات العسكرية المباشرة ومحاولات إعادة البناء التي كانت تنفذها الإدارات الأمريكية السابقة. ويرى ترامب أن النهضة والتطور في المنطقة يجب أن تنبع من داخل المجتمعات والشعوب نفسها، وليس من خلال محاولات "بناء الأمم" التي فشلت في دول مثل أفغانستان والعراق، وما تبعها من نتائج كارثية على الاستقرار والتنمية. ثانياً، يبرز المقال تحول ترامب من اعتماد السياسة العسكرية المكثفة إلى تبني سياسة خارجية تعتمد بشكل أكبر على العلاقات الاقتصادية والتجارية، وتقوم على أسلوب شخصي وتبادلي في التعامل مع دول الخليج. ثالثاً، يشدد المقال على التغير البارز في مكانة "إسرائيل" ضمن السياسة الأمريكية. فقد اختار ترامب تقليل التنسيق مع الكيان في القضايا الحساسة مثل المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، وكذلك في المفاوضات المباشرة مع حركة حماس. ويشير المقال إلى أن هذا التغير يأتي نتيجة لإحساس ترامب بالإحباط من الدور الإسرائيلي، خصوصاً في ظل تدخلات "إسرائيل" المتكررة التي أثرت سلباً على المصالح الأمريكية. رابعاً، يناقش المقال أن ترامب يتبنى ما يمكن وصفه بسياسة "التحفظ" أو "الواقعية" التي تعترف بحدود قدرة الولايات المتحدة على التحكم في الشؤون الإقليمية، وتؤدي إلى تقليل التدخلات العسكرية الأمريكية في المنطقة. ومن خلال هذا التوجه، يهدف ترامب إلى إعادة تحميل دول المنطقة مسؤولية أمنها واستقرارها، وهو تغيير جذري عن نمط "الحروب الأبدية". وأخيراً، يقدم المقال نقداً صريحاً للسياسة الأمريكية السابقة في المنطقة، مؤكداً على نتائجها السلبية التي شملت دعم الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والتدخل في شؤون دول عديدة مما أدى إلى انهيار حكومات وظهور تنظيمات متطرفة، فضلاً عن قصف المدنيين بحجة نشر الديمقراطية، مع تناقض واضح بين شعارات حقوق الإنسان التي ترفعها أمريكا وأفعالها الواقعية.

النص المترجم:

يُعيد الرئيس دونالد ترامب تشكيل مقاربة واشنطن للسياسة الخارجية في "الشرق الأوسط" بشكل جذري. فبينما أصبحت النزعة العدوانية والتقلّب من السمات التي تُعرّف نهجه الشخصي في الشؤون الخارجية، لا يخشى ترامب كسر الأعراف التقليدية للدبلوماسية وفن إدارة الدولة، وهي أعراف يقول كثيرون إنها أعاقت الولايات المتحدة و"الشرق الأوسط" معاً على مدى طويل. وإذا ما واصل ترامب السير في هذا النهج غير المألوف، من خلال تبنّي سياسة خارجية متحفّظة تُدرك حدود القوة والمصالح الأمريكية، فقد يكون قادراً على دعم قادة المنطقة وهم يعملون على ترسيخ حقبة جديدة من التنمية. جسّدت أولى خطابات ترامب في السياسة الخارجية، والذي ألقاه في الرياض في 13 أيار، تحوّلاً في سياسة الولايات المتحدة الخارجية. فلم يُضِع وقتاً في انتقاد الإدارات السابقة وسياساتها الإقليمية حيث قال:

"هذا التحوّل العظيم لم يكن نتيجة تدخلات غربية تُلقي عليكم المحاضرات حول كيفية العيش أو إدارة شؤونكم الخاصة. كلا، إن المعالم المبهرة في الرياض وأبو ظبي لم يصنعها ما يُسمّى بـ "صانعي الأمم" أو "المحافظين الجدد" أو "المنظمات الليبرالية غير الربحية"، تلك التي أنفقت تريليونات الدولارات وفشلت في تطوير كابول وبغداد والعديد من المدن الأخرى. إن ولادة "شرق أوسط" حديث قد تحقّقت على يد شعوب المنطقة نفسها وهي تطوّر دولها السيادية، وتسعى لتحقيق رؤاها الفريدة، وترسم مصائرها بيدها".

تتضمّن عقيدة ترامب الجديدة في السياسة الخارجية إمكانيات إيجابية وسلبية على حدّ سواء. لطالما بالغت واشنطن في مدّ نفوذها عبر العالم، فخاضت كل المعارك، وعلى كل القارات، محاولة التأثير في كل شيء، في كل مكان، وفي كل الأوقات. هذه المبالغة تجاهلت المصالح الحقيقية للولايات المتحدة، والقدرات المطلوبة لتحقيقها، مما أسفر عن حروب "لا تنتهي" في القرن الحادي والعشرين. وفي الوقت نفسه، استمرت المشاكل الداخلية بالتفاقم. لقد ولّت أيام النهج العسكري المفرط في التعامل مع المنطقة. وبدلاً من ذلك، باتت المقاربة ترتكز على التجارة وتقوم على مبدأ المعاملات الشخصية، وهو توجّه يمكن لدول الخليج الغنية والحاكمة أن تتكيّف معه بسهولة. بطبيعة الحال، هذه ليست ظاهرة جديدة بالكامل. فعدد من الإدارات الأمريكية المتعاقبة انخرطت بعلاقات دافئة مع دول الخليج لعقود، بسبب حاجة الولايات المتحدة لتدفّق الطاقة من المنطقة، وصفقات السلاح معها. وقد دعم هذا التوجّه منطقٌ مشوّه يُعرف بـ "نظرية الاستقرار الاستبدادي"، وهي عقلية لم تُنتج لا سلاماً ولا تنمية، بل أعادت المنطقة إلى الوراء. لكن التحولات الأخيرة التي قادها ترامب تشير إلى إعادة توجيه جدية للسياسة الأمريكية في "الشرق الأوسط". فعلى الرغم من اعتماده المكثف على القوة العسكرية في البداية، إلا أن اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة أنصار الله في اليمن بتاريخ 6 أيار يمثّل أحد هذه التحولات. وكذلك المحادثات مع إيران بشأن برنامجها النووي بعد فشل استراتيجيته السابقة في "الضغط الأقصى"، إضافة إلى قراره برفع بعض العقوبات عن سوريا، كلها مؤشرات إضافية على نيّات جديدة.

كما أن ترامب وضع نتنياهو في موقف حرج في البيت الأبيض يوم 8 نيسان، حين أعلن أن إدارته ستباشر محادثات مباشرة مع إيران. وقد فعل الشيء ذاته مع حركة حماس في مناسبات عدّة منها واحدة أدّت إلى إطلاق سراح المواطن الأمريكي-الإسرائيلي عيدان ألكسندر بتاريخ 11 أيار. كما أن قراره بخفض رتبة مستشار الأمن القومي السابق مايك والتز، بسبب ما تشير إليه بعض التقارير عن علاقات مفرطة الحميمية مع مسؤولين إسرائيليين، يسلّط الضوء على مدى جدّية هذه التحركات وربما على حجم إحباط ترامب من الوضع القائم.

القرار بعدم إشراك "إسرائيل" في قضايا تُعتبر محورية بالنسبة للولايات المتحدة ليس أمراً ثانوياً. ومع ذلك، يواصل ترامب هذا النهج بعد أربعة أشهر فقط من ولايته الرئاسية الثانية.

في نهاية المطاف، فإن سجلّ الولايات المتحدة في المنطقة كارثي. لقد دعمت دون تردد الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني لفلسطين. وقد أطاحت بأنظمة في عدة دول، زارعةً بذلك بذور جماعات متطرفة مثل تنظيم "الدولة الإسلامية". كما قصفت أعداداً لا تُحصى من المدنيين باسم "الديمقراطية"، بينما ترفع راية حقوق الإنسان التي نادراً ما تطبّقها على نفسها. إدراك هذا الماضي وتبنّي مثل هذا النهج الواقعي رغم عدم ضمانه بسبب الطبيعة المتقلبة لترامب يشير إلى أن النهج القائم على التحفّظ هو الذي ينتصر. هذا النتائج تعني تقليل التدخلات الأمريكية، وإعادة مسؤولية الاستقرار الإقليمي إلى سكان المنطقة.


المصدر: The National Interest

الكاتب: Alexander Langlois




روزنامة المحور