الثلاثاء 27 أيار , 2025 02:56

صعود الصين التكنولوجي في الشرق الأوسط كتهديد للأمن القومي الإسرائيلي

الصين والشرق الأوسط وعلم "إسرائيل"

يتوسع الحضور التكنولوجي للصين في الشرق الأوسط، ويشكّل اندماجها في سوق الحوسبة الإقليمي في ظل المنافسة مع الولايات المتحدة تحديات خطيرة على الكيان الإسرائيلي تطال مصالحها الوطنية، لا سيما في مجالات حماية البيانات والخصوصية والأمن القومي.

في هذا الإطار، نشر معهد الأمن القومي الإسرائيلي، دراسة ترجمها موقع الخنادق، يعتبر فيها أن التوسع التكنولوجي الصيني في المنطقة "يشكّل تحديات متزايدة تدريجيًا على إسرائيل، مما يستلزم وضع سياسة استراتيجية وتكنولوجية لحماية المصالح الإسرائيلية في ظل الاتجاهات المتطورة في المجالين التكنولوجي والجيوسياسي".

النص المترجم للمقال

في مايو 2025، قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارة دبلوماسية إلى دول الخليج، المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة. ركزت الزيارة على تعزيز الشراكات الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ودفع عجلة الصفقات الاقتصادية، لا سيما في مجالي الدفاع والتكنولوجيا، بقيمة إجمالية بلغت مئات المليارات من الدولارات. وتم التركيز بشكل خاص على الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك اتفاقية بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة لإنشاء حرم جامعي جديد للذكاء الاصطناعي في أبو ظبي، والذي من المتوقع أن يكون الأكبر من نوعه خارج الولايات المتحدة. وستتولى شركة G42 الإماراتية بناء الحرم الجامعي، بالتعاون مع شركات تقنية أمريكية رائدة، وستوفر البنية التحتية لمراكز البيانات والخدمات السحابية في المنطقة.

تهدف هذه الاستثمارات الأمريكية إلى تعزيز المكانة التكنولوجية الأمريكية في الشرق الأوسط، بينما تعمل الصين في الوقت نفسه على تعزيز حضورها الإقليمي والعالمي في التقنيات المتقدمة - الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والحوسبة. ومن الأمثلة البارزة على ذلك إعلان شركة Tencent Cloud الصينية في فبراير 2025 عن إطلاق أول منطقة سحابية لها في الشرق الأوسط، وتقع في المملكة العربية السعودية. منطقة السحابة هي موقع جغرافي حيث يقوم مزود السحابة بتشغيل مراكز بيانات منفصلة، ​​مما يضمن استمرارية الخدمة والأداء العالي. يؤثر اختيار المنطقة على السرعة والموثوقية والامتثال التنظيمي. تم الإعلان عن ذلك في مؤتمر LEAP 2025 للتكنولوجيا - بدعم من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في المملكة العربية السعودية (MCIT) - حيث تعهدت Tencent Cloud بأكثر من 150 مليون دولار من الاستثمارات المستقبلية لدعم التحول الرقمي للبلاد في قطاعات مثل الإعلام والألعاب والتجارة والمالية والاتصالات. تنضم Tencent Cloud الآن إلى عمالقة التكنولوجيا الصينيين Alibaba Cloud و Huawei Cloud، الذين يديرون بالفعل مناطق سحابية في المملكة العربية السعودية ويواصلون توسيع حضورهم التكنولوجي في المنطقة. تعكس هذه التطورات المنافسة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين على القيادة التكنولوجية في الشرق الأوسط، مع التزام كل من القوتين العظميين بتخصيص موارد واسعة للتكنولوجيات المتقدمة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي والبنية الأساسية السحابية.

الحوسبة السحابية

تُتيح الحوسبة السحابية الوصول إلى موارد الحوسبة عبر الإنترنت، بما في ذلك التخزين وقواعد البيانات والشبكات والبرامج وخدمات الأمن، دون الحاجة إلى أجهزة مادية أو خوادم محلية. وقد اكتسب هذا المجال أهمية كبيرة خلال العقد الماضي، لا سيما بعد جائحة كوفيد-19، التي سرّعت التحول إلى النماذج الرقمية. ووفقًا لشركة كاناليس، ارتفع الإنفاق العالمي على الخدمات السحابية بنسبة 21% في الربع الثالث من عام 2024 مقارنةً بالعام السابق، ليصل إلى 82 مليار دولار. كما تُعدّ تقنية الحوسبة السحابية ركيزةً أساسيةً للاقتصاد الرقمي، إذ تُتيح تخزين البيانات ومعالجتها والوصول إليها، مع تعزيز الكفاءة والابتكار. تُقدّم هذه التقنية فوائد اقتصادية مثل توفير التكاليف، ولكنها تتطلب أيضًا تدابير أمنية لحماية البيانات ومنع الهجمات الإلكترونية.

إلى جانب أهميتها الاقتصادية والتكنولوجية، تتمتع الحوسبة السحابية بثقل جيوسياسي استراتيجي. ففي العصر الرقمي، تُعدّ التكنولوجيا عنصرًا أساسيًا من عناصر الأمن القومي، إذ تؤثر على قدرة الدول على الاستجابة للتهديدات في المجالات العسكرية والتكنولوجية والاستخباراتية والاقتصادية. وتسعى الدول جاهدةً لتحقيق مزايا تكنولوجية لتعزيز مكانتها العالمية، وتعزيز أمنها القومي، وتشجيع النمو الاقتصادي القائم على الابتكار. وفي هذا السياق، تُعد السيطرة على تقنيات الحوسبة السحابية والبيانات المتدفقة عبرها أمرًا بالغ الأهمية للحكومات والمؤسسات، لا سيما في القطاعات الحساسة كالدفاع والمالية والرعاية الصحية والنقل. ويمكن أن تُشكّل نقاط الضعف في هذه الأنظمة، سواءً من خلال الخروقات الأمنية أو انقطاع الخدمات الحيوية، مخاطر جسيمة على الأمن القومي والاستقرار الاقتصادي والسياسي. وبالمثل، أصبحت حماية سيادة البيانات قضية استراتيجية، نظرًا لأن البيانات تُعدّ موردًا حيويًا للأمن القومي والخصوصية والاقتصاد. ونتيجةً لذلك، تُسنّ الدول قوانين ولوائح لتقييد الوصول إلى البيانات وضمان بقائها تحت السيطرة المحلية، مما يُقلل من خطر استغلالها من قِبل جهات خارجية.

معركة الحوسبة السحابية - صعود الصين كقوة تكنولوجية

يقع المجال التكنولوجي في قلب المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، حيث تسعى كل قوة إلى القيادة لضمان مزايا استراتيجية وعسكرية واقتصادية. وفي ظل القيود التي تفرضها الولايات المتحدة، تنظر الصين إلى السيطرة على التقنيات المتقدمة - بما في ذلك الحوسبة السحابية - كوسيلة لتقليل الاعتماد على التقنيات الأجنبية، وترسيخ النفوذ العالمي، وتشجيع الابتكار، وتعزيز اقتصادها الرقمي. وقد حددت الحكومة الصينية الحوسبة السحابية كمجال استراتيجي في خطتها الخمسية الثانية عشرة (2011-2015)، مما يدعم تطوير البنية التحتية المحلية ويشجع نمو شركات الحوسبة السحابية الصينية. وفي خطتها الخمسية الرابعة عشرة (2021-2025)، تواصل الصين تطوير الحوسبة السحابية لضمان السيادة الرقمية والقيادة التكنولوجية العالمية - من خلال تعزيز سيطرتها على البنية التحتية الرقمية، وصياغة المعايير العالمية، والتوسع في الأسواق الناشئة، بما في ذلك الشرق الأوسط. واليوم، تهيمن الشركات الصينية على سوق الحوسبة السحابية داخل الصين وتوسع عملياتها العالمية بشكل مطرد.

أثار الحضور المتزايد للصين في قطاع الحوسبة السحابية مخاوف الدول والمنظمات، لا سيما فيما يتعلق بأمن البيانات، وانتهاكات الخصوصية، والوصول غير المصرح به إلى المعلومات، ونقل البيانات إلى جهات خارجية، وخاصة الحكومة الصينية. وبينما اجتذب إطلاق نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني DeepSeek اهتمامًا عالميًا، حظيت قضية البنية التحتية السحابية باهتمام أقل، على الرغم من أن بيانات النموذج مخزنة على خوادم خاضعة لسيطرة صينية ويمكن الوصول إليها عبر البنية التحتية السحابية التي تديرها شركات صينية. علاوة على ذلك، كشفت شركة NowSecure الأمريكية عن مشكلات أمنية رئيسية، بما في ذلك عمليات نقل البيانات غير المشفرة وممارسات التخزين غير الآمنة، حيث يتم إرسال البيانات إلى خوادم في الصين تسيطر عليها شركة ByteDance الصينية. تمتد المخاطر المرتبطة باستخدام تقنيات السحابة الصينية أيضًا إلى المركبات الذكية، حيث يتم جمع وتخزين بيانات مثل الموقع في الوقت الفعلي، وأنماط القيادة، والمعلومات الشخصية للمستخدمين، والظروف الفنية للمركبات. يمكن الكشف عن هذه البيانات أو التلاعب بها، خاصة عند تخزينها على خدمات سحابية خارجية مثل الخوادم في الصين، والتي تخضع لوصول الحكومة. وهناك مخاوف أخرى تتعلق بإمكانية استغلال البيانات التي يتم جمعها عبر تقنيات الحوسبة السحابية الصينية لأغراض تتجاوز هدفها الأصلي ــ مثل مراقبة المستخدمين أو التجسس الصناعي والأمني.

أعربت الحكومة الأمريكية أيضًا عن قلقها بشأن عمليات مزودي الخدمات السحابية الصينيين. في أغسطس 2020، كجزء من مبادرة الشبكة النظيفة ، أصدرت إدارة ترامب تحذيرًا من استخدام مزودي الخدمات السحابية الصينيين في محاولة لحماية بيانات المواطنين والشركات الأمريكية من التعرض المحتمل للحكومة الصينية. في يناير 2022، أطلقت إدارة بايدن تحقيقًا في عمليات السحابة الخاصة بشركة علي بابا لتقييم ما إذا كانت تشكل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي. ركز التحقيق على كيفية تخزين الشركة لبيانات العملاء الأمريكيين - وخاصة المعلومات الشخصية والملكية الفكرية - وما إذا كان لدى الحكومة الصينية إمكانية الوصول إلى تلك البيانات. حتى الآن، لم يتم نشر نتائج التحقيق.

التنين في السحابة - التدخل الصيني المتزايد في الشرق الأوسط

تُكثّف الصين حضورها الإقليمي في الشرق الأوسط من خلال مبادرات عالمية ، لا سيما طريق الحرير الرقمي (DSR)، وهو المكوّن التكنولوجي لمبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI). على مدى العقد الماضي، أصبحت شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة، مثل علي بابا وهواوي وتينسنت، لاعبين رئيسيين في المشهد التكنولوجي للمنطقة. وقد وسّعوا حضورهم من خلال الشراكات، وإنشاء مناطق سحابية ومراكز بيانات، وبرامج تدريبية، واستثمارات في التقنيات والبنية التحتية المتقدمة. وبينما تواصل الشركات الصينية العمل على سد الفجوة التكنولوجية، لا تزال الشركات الأمريكية تتمتع بميزة تنافسية في سوق الحوسبة السحابية في الشرق الأوسط بفضل حضورها الطويل الأمد وتعاونها المستمر مع دول المنطقة.

على الرغم من أن حجم استثمارات الصين وانتشارها الجغرافي في الشرق الأوسط لا يزال محدودًا مقارنةً بالولايات المتحدة، إلا أن الشركات الصينية تُحرز تقدمًا سريعًا في السوق. ويعود نجاحها جزئيًا إلى الدعم الحكومي، والبيئات التنظيمية المرنة، وانخفاض تكاليف التطوير والتشغيل، مما يُمكّنها من تقديم خدمات تنافسية. تُدرك الصين إمكانات الأسواق الناشئة والطلب المتزايد على التقنيات المتقدمة في الشرق الأوسط، وخاصةً في منطقة الخليج. علاوة على ذلك، يُوفر توافق المصالح بين الصين ودول المنطقة أساسًا متينًا للتعاون طويل الأمد، بما في ذلك في مجال الحوسبة السحابية. تسعى الصين إلى الاستفادة من قوتها التكنولوجية لاكتساب نفوذ اقتصادي واستراتيجي في المنطقة، بينما تنظر دول الشرق الأوسط إلى الصي كشريك جذاب لتطوير البنية التحتية الرقمية ودفع الابتكار التكنولوجي، من خلال تقديم خدمات فعّالة من حيث التكلفة وسريعة التنفيذ ومتحررة من الشروط السياسية. قد يدفع هذا التقارب في المصالح الصين إلى زيادة استثماراتها في البنية التحتية الرقمية في الشرق الأوسط، بهدف ترسيخ موطئ قدم تكنولوجي وتعزيز نماذجها الرقمية كجزء من استراتيجية أوسع لتعميق نفوذها العالمي. ورغم أن هذا الاتجاه لا يزال محدود النطاق، فإنه يحمل القدرة على تآكل الهيمنة الرقمية الأميركية في المنطقة تدريجيًا.

إن صعود الصين كقوة تكنولوجية إقليمية وعالمية سيشكل تدريجيًا تحديات متزايدة لدول الشرق الأوسط - بما في ذلك إسرائيل. أولاً، يضيف صعود الصين في سوق الحوسبة السحابية في الشرق الأوسط، من خلال الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية والشراكات الإقليمية، طبقة أخرى من التوتر إلى المنافسة المستمرة مع الولايات المتحدة. لا تقتصر هذه المنافسة على الجوانب التكنولوجية فحسب؛ بل تعكس صراعًا أوسع لتشكيل مجالات النفوذ الجيوسياسي، مع ظهور الشرق الأوسط كساحة استراتيجية رئيسية. في هذا السياق، يمكن أن يصبح نشر البنية التحتية الرقمية الصينية في جميع أنحاء المنطقة أرضًا خصبة للنشاط السيبراني الصيني - مثل التجسس والمراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية - وقد يؤدي إلى تفاقم التوترات الإقليمية في ضوء الضغط الأمريكي للحد من التدخل الصيني في التكنولوجيا والبنية التحتية.

ثانيا، يتطلب التوسع التكنولوجي الصيني ــ وخاصة في مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ــ اهتمامًا استراتيجيًا ودبلوماسيًا من إسرائيل، لأن هذه المناطق ذات أهمية جيوسياسية وأمنية مباشرة بالنسبة للبلاد.

ثالثًا، في حين أن هناك وعيًا في إسرائيل بأمن البيانات ومخاطر التأثير التكنولوجي الأجنبي، إلا أن المخاطر المرتبطة بالبنية التحتية السحابية الصينية - حتى في مجالات تبدو محايدة مثل المركبات الذكية - لا تُدرك تمامًا. في عام 2023، أصبحت إسرائيل ثالث أكبر سوق تصدير للمركبات الصينية. هذه المركبات مجهزة بأنظمة ذكية تجمع بيانات آنية - مثل الموقع وحركة المركبة وأداء النظام. تُنقل هذه البيانات عبر البنية التحتية السحابية، وقد تُخزن على خوادم في الصين أو تُسيطر عليها شركات صينية، مما يثير مخاوف بشأن الاستخدام المحتمل لهذه المعلومات للتجسس وجمع المعلومات الاستخبارية أو حتى التحكم عن بُعد. تنطبق هذه المخاطر على جميع المركبات الذكية، بغض النظر عن بلد المنشأ. ومع ذلك، نظرًا للتقارير المتكررة والمخاوف بشأن انتهاك الشركات الصينية لخصوصية البيانات وأمنها، ينبغي تقييم استخدام المركبات الصينية الصنع في إسرائيل - وخاصة داخل المؤسسات الحكومية والدفاعية - بعناية. ويشمل ذلك تقييم مخاطر الأمن القومي المحتملة والنظر في بدائل أكثر أمانًا للاستخدام في البيئات الحساسة.

في ضوء التحديات التي تُمثلها الصين في المجالين التكنولوجي والجيوسياسي، من الضروري أن تُجري إسرائيل تقييمًا شاملًا للآثار طويلة المدى لدور الصين المتنامي كقوة تكنولوجية إقليمية. ينبغي على إسرائيل العمل على صياغة سياسة استراتيجية وتكنولوجية منسقة جيدًا - بالتوافق مع الدول الغربية، وخاصةً الولايات المتحدة - لضمان مصالحها الوطنية، لا سيما في مجالات حماية البيانات والخصوصية والأمن القومي.


المصدر: معهد دراسات الأمن القومي

الكاتب: Yuval Less




روزنامة المحور