"لا نحتاج لإذن من الإسرائيليين، إذا أصيب مواطن أميركي سنضرب الحوثيين وعدا ذلك لا دخل لنا" كلمات صادمة أطلقها السفير الأميركي لدى تل أبيب حول الاتفاق مع صنعاء، في سياق إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساء 6-5-2025، وقف الهجمات الأمريكية ضد أنصار الله في اليمن، مما أثار ردود فعل صادمة داخل الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية وفتح باب نقاش جديد حول العلاقة المضطربة التي تجمع بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيل بنيامين نتنياهو.
جاء هذا الإعلان بشكل مفاجئ، ومن دون تنسيق مسبق مع الجانب الإسرائيلي، وأصاب نتنياهو وفريقه بالصدمة. من هنا طفت الخلافات السياسية والشخصية على السطح بين ترامب ونتنياهو.
شرارة اتفاق وقف إطلاق النار مع اليمن
يمثل "وقف إطلاق النار" بين الولايات المتحدة وأنصار الله، إحدى محطات نصار الخلاف الدائرة بين ترامب ونتنياهو، التي أرخت بظلالها على علاقاتهم الشخصية وانعكست بخيبة أمل متبادلة بين الرئيسين. إذ فوجئت إسرائيل بإعلان ترامب وقف العمليات العسكرية ضد أنصار الله، وأبدى المسؤولون الإسرائيليون دهشتهم واستغرابهم من طريقة تعامل الإدارة الأميركية مع "إسرائيل" وتوقيت القرار.
تجدر الإشارة أن ترامب أوقف الهجمات في اليوم نفسه الذي قصفت فيه إسرائيل مطار صنعاء. ولم يأتِ ترامب ولا الوسيط العماني -وزير خارجية عُمان- على ذكر وقف اليمنيين هجماتهم على إسرائيل في تصريحاتهما. وفي مقابلة تلفزيونية أكد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، سام وربيرغ، بأن الاتفاق "يشمل السفن الأمريكية فقط دون السفن الإسرائيلية" مضيفاً بأن "على إسرائيل الدفاع عن نفسها أمام الحوثيين".
تتعامل الإدارة الأميركية الجديدة مع ملفات الشرق الأوسط بمنطق حلحلة المشكلات العالقة وفصل الملفات عن بعضها البعض لتحقيق إنجازات ملموسة، كاستئناف المحادثات مع طهران بشأن برنامجها النووي، ووقف إطلاق النار مع أنصار الله، والإسراع بعقد صفقة تبادل بين إسرائيل وحركة حماس، بينما تصر "إسرائيل" على ربط كل هذه الملفات ببعضها، والدفع نحو انخراط عسكري أميركي في المنطقة بدلاً من خيارات واشنطن الدبلوماسية.
إذن ينبع الخلاف بين الرئيسين من تباين واضح في الأولويات الأميركية عن إسرائيل بما يخص ملفات الشرق الأوسط، مما يعكس انقساماً استراتيجياً حاداً بين الطرفين.
شخصية ترامب و"أميركا أولاً"
يعبّر اتساع الفجوة بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن شخصية ترامب المثيرة للجدل، ومفهومه عن "أميركا أولاً" اللذان يلعبان دوراً مهما في هذا الخلاف.
في هذا السياق، أعربت النائبة مارجوري تايلور غرين عن امتعاضها قائلة "لا أعتقد أنه ينبغي علينا قصف دول أجنبية نيابةً عن دول أجنبية أخرى، خاصةً مع امتلاكها أسلحتها النووية وقوتها العسكرية الهائلة"، مما يجعلها واحدة من السياسيين الجمهوريين القلائل المستعدين للتشكيك في دعم أميركا غير المشروط لإسرائيل.
وتؤكد تسريبات إدارة ترامب عبر عدة صحف أميركية رئيسة وجود خيبة أمل أميركية من نتنياهو. وعلى المقلب الآخر، كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تمارس "ضغوطاً شديدة على "إسرائيل" للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حركة حماس قبل زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط" والتي يستثني منها "إسرائيل" من جدول الزيارة.
وهدّدت الإدارة الأميركية، بحسب الصحيفة، "إسرائيل" بأنها "ستترك وحدها" ما لم تتحرك مع الولايات المتحدة نحو مثل هذا الاتفاق، وذلك نقلاً عن مصدر مطلع على التفاصيل.
كما كشفت إذاعة جيش الاحتلال نقلاً عن مقربين من ترامب أنهم أبلغوا وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر أن نتنياهو يتلاعب بالرئيس الأمريكي.
وقالوا لديرمر أن ترامب لا يكره أكثر من أن يظهر كشخص يتم التلاعب به، وأن ترامب قرر قطع الاتصال مع نتنياهو. تُرجم غضب ترامب من نتنياهو أيضاً بإقالة مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز الذي أجرى اتصالات سرية مع نتنياهو حول القضية النووية الإيرانية.
ختاماً، لا يؤثر هذا الخلاف الدائر على "جوهر" العلاقات الأميركية الإسرائيلية، لكن مع ذلك يترك هذا التصدع آثاراً إيجابية على المنطقة، فتشتت أعداء المقاومة فيما بينهم أفضل من ترابطهم واشتراكهم حول الأهداف والمصالح نفسها.
الكاتب: حسين شكرون