يحلّل هذا المقال الذي نشره موقع كالكاليست الإسرائيلي وترجمه موقع الخنادق الالكتروني، الأسباب التي تمنع سلاح الجو الإسرائيلي من إسقاط الطائرات المسيّرة التي يطلقها محور المقاومة بواسطة المدافع الرشاشة في الطائرات الحربية، بدلاً عن صواريخ جو – جو ذات الكلفة المادية الباهظة الثمن. ثم يستعرض المقال تحديات استخدام المدافع في الطائرات الحربية الإسرائيلية، منها الحاجة إلى تطوير أنظمة تتبع دقيقة، وتدريب الطيارين على استخدامها بفعالية، بالإضافة إلى الاعتبارات التشغيلية والتكتيكية.
النص المترجم:
مرحبًا، معكم "القبطان"؛
في كل فيلم أكشن، توجد دائمًا مشاهد لطائرات مقاتلة تتبادل إطلاق النار باستخدام المدافع. وهذا مبرَّر، أليس كذلك؟ فالأمر يبدو جذّابًا جدًا بصريًا: فوهات تقذف النيران، طائرات تناور وسط خطوط من الضوء المتوهج – مشهد احتفالي للعينين.
لكن الواقع مختلف؛ فحرب غزة التي اندلعت في تشرين الأول / أكتوبر 2023 لم تتضمن معارك جوية على الطريقة الهوليوودية، وفي أيامنا هذه من النادر جدًا أن تجد مثل هذه المعارك حتى خارج منطقتنا.
لقد حلت محلها مهام اعتراض أهداف جوية من نوع مختلف: طائرات مُسيّرة انتحارية قاتلة من صنع إيران، سلاح مرعب تسبب في سقوط ضحايا في الجبهة وفي العمق الإسرائيلي.
حتى الآن، هوجمنا بهذه الأدوات من لبنان وغزة، من العراق وإيران – والآن، في الأساس، من اليمن.
عندما تنجح طائرة مُسيّرة في اختراق الأجواء الإسرائيلية، يتعامل معها طاقم بطاريات القبة الحديدية وطيارونا في مروحيات الأباتشي – وبتحسُّن مستمر في الأداء.
لكن عندما يُكتشف التهديد من مسافة بعيدة، تُلقى المهمة على عاتق سلاح الجو الهجومي: مقاتلات F-16 وF-15 وF-35.
وفي مثل هذه الحالات، لن تروا مشاهد إطلاق نيران من مدافع "فولكان" التي تحملها الطائرات. يتم إسقاط الأهداف فقط باستخدام صواريخ جو-جو – غالبًا من نوع AIM-120 أمريكي الصنع أو "بايثون 4 و5" الإسرائيليين.
وهذا يبدو غريبًا نوعًا ما: طائرة مسيّرة حوثية لا تحاول حتى المناورة، تطير وكأنها "تغشّ"، طيارونا محترفون جدًا، والمدافع موجودة أصلًا في الطائرات.
لكن تكلفة هذه الصواريخ مذهلة – في وقت لا تصبح فيه الحرب أرخص، بل ستُثقل كاهل الاقتصاد الإسرائيلي لسنوات طويلة.
السعر المتوسط لصاروخ جو-جو بعيد المدى هو 1.1 مليون دولار – وهو مبلغ يمكن به شراء 8 أو 9 طائرات مسيّرة مماثلة من التي أطلقها اليمني، بالإضافة إلى شاحنة فاخرة لمسلحين و8 شقق فاخرة مكوّنة من 4 غرف في وسط صنعاء الخلابة؛ شقق فاخرة فيها إضاءة LED على الجدران ومسبح على السطح.
وبالمناسبة، بحثت بنفسي عن أسعار العقارات في العاصمة الحوثية، وعلى الأغلب تمت إضافتي لقائمة سرية تابعة للـCIA لن يُخرجني منها سوى الموت.
إذن، لماذا نستخدم صواريخ، بينما كل طائرة مقاتلة مزوّدة بمدفع ممتاز متعدد السبطانات؟ الكثير من المتابعين سألوني هذا السؤال، واليوم سيحصلون على الجواب.
فلنبدأ:
أولاً، علينا التمييز بين إسقاط طائرة مسيّرة واحدة وبين اعتراض سرب من المسيّرات، فهما حالتان مختلفتان تمامًا.
على شاشة الرادار، تظهر المسيّرات من نوع "يافا" أو "صماد 2" كأجسام غير واضحة، من السهل الخلط بينها وبين تشويش أو حتى طيور.
أما 20 مسيّرة تطير معًا، فستظهر كنمط واضح يسهل كشفه وتحديده والرد عليه بشكل مناسب.
وقد شرحت سابقًا كيف يتم اعتراض أسراب المسيّرات: من خلال سلسلة من الطائرات وسلسلة من النيران، بطريقة فريدة جدًا.
لكن في حالة رصد طائرة مسيّرة واحدة، يتم التعامل معها بشكل مختلف: إذا كان موقعها يسمح، نرسل طائرات مقاتلة لتأكيد الهدف بصريًا – بالاقتراب حتى مدى الرؤية بالكاميرا البصرية أو الحرارية، وليس بالرادار فقط.
ذلك لأن الرادارات "عمياء"، ولا نريد أن نطلق صاروخًا ونفترض أننا قضينا على التهديد، بينما نكون في الواقع قد فجّرنا طائر "بجع" مسكين، والمسيّرة الحقيقية لا تزال تتقدّم نحونا.
لذا، فإن مدى الصاروخ ليس هو النقطة الجوهرية: ما فائدة القدرة على إسقاط هدف من 100 أو حتى 150 كلم، إذا كان التعرف المؤكد لا يتم إلا على بعد عشرات الكيلومترات؟ أليس من الأفضل الاقتراب أكثر وإطلاق النار من المدفع؟
المسألة ليست مسألة دقة فقط: مدفع الـF-15 يمكنه إصابة هدف بحجم مسيّرة "يافا" بدقة 4 أمتار من مسافة 500 متر؛ نظريًا، رشقة لمدة ثانية تصيب الهدف بنسبة 80%، وإذا اقترب الطاقم أو أطلق النار أكثر، تصل النسبة إلى 100%.
يكفي قذيفة واحدة لتدمير أنظمة الطائرة المسيّرة وإخراجها من الخدمة.
وبالطبع، الصاروخ أيضًا قادر على تدمير الهدف بنسبة 100% إذا أصابه – ونظريًا احتمالات الإصابة مرتفعة. لكن الفارق في التكلفة هائل:
قذيفة من عيار 20 ملم لمدفع فولكان تكلف نحو 30 دولارًا، ورشقة واحدة لمدة ثانية تكلف حوالي 2000 دولار.
في المقابل، صاروخ جو-جو أغلى بـ550 مرة.
وفوق ذلك، لا يمكن دائمًا إنتاج هذه الصواريخ محليًا أو تجديد المخزون بسرعة؛ أما قذائف 20 ملم فهي تُنتج محليًا منذ أيام "البلماح".
إذن، ما الذي يفعله الصاروخ ولا يستطيع المدفع فعله ويستحق هذا السعر؟
السبب الأساسي لاختيار الصاروخ هو الرغبة في إدارة مجال الاعتراض بشكل منظم ومُتحكَّم به.
فطائرة مسيّرة من نوع "يافا" الحوثية تقلع من شمال اليمن، وتطير معظم الوقت في المجال الدولي، لكنها تدخل أيضًا أجواء السعودية والأردن في طريقها إلينا.
نحن نرغب في إسقاطها في مكان لا تُسبّب فيه ضررًا، ولا نضطر إلى الدخول في تعقيدات سياسية – مثلًا، فوق البحر الأحمر وليس فوق مسبح فندق في طابا أو العقبة؛ فالسياح عادة لا يحبّون شظايا الألمنيوم الطائر في مشروبهم.
كم من الوقت سيستغرق الطيار للاقتراب من المسيّرة الحوثية، والتمركز في وضعية إطلاق نار مثالية، وإسقاطها بالمدفع؟
لا نعرف. ربما الرؤية صعبة؟ ربما الطيار متوتر؟ غاضب لأن فريقه خسر؟ دقة الإطلاق على الورق لا تعني بالضرورة تنفيذًا ناجحًا ميدانيًا.
بالمناسبة، سأشرح لكم يومًا ما كيف يوجّه طيّارو القتال المدفع في القرن الحادي والعشرين – لكن باختصار: هذه عملية يدوية جدًا، والعنصر البشري مؤثر للغاية.
المسيّرة لا تنتظرنا؛ في كل دقيقة تتقدّم 4 كلم، وقد تصل بسهولة إلى منطقة يصعب فيها إطلاق النار.
وليس ذلك فقط، الوضعية المثالية لإطلاق النار بالمدفع تكون خلف المسيّرة وأعلى قليلاً منها؛ لا يتم إطلاق النار وجهاً لوجه على هدف طائر، لأن السرعة المركّبة تجعل من المستحيل التصويب بدقة.
فكم من الوقود ستستهلك المقاتلة للاقتراب من المسيّرة الحوثية أو الإيرانية، والتحليق حولها، والتموضع خلفها؟ وماذا لو اكتشفنا لاحقًا أنها لم تكن وحدها؟
نعم، العدو ليس ساذجًا، أحيانًا يُطلق مسيّرتين: واحدة تطير على ارتفاع 200-300 متر لتكون صعبة الاكتشاف وتُغري الطائرات لاعتراضها، وأخرى على ارتفاع 30 مترًا، بطريقة تُظهرها كرؤية خاطئة على الرادار – وكأنها انعكاس للأولى.
عندما يرى الطيار هدفًا عن قرب من خلال منظار المدفع، قد تتأثر رؤيته الكاملة للمجال، مما يسمح للطائرة الثانية بالتسلل.
وإذا تم اكتشاف تلك المسيّرة الثانية فجأة، سيضطر الطاقم إلى بدء عملية اعتراض جديدة مع توفر وقت ووقود كافيين؛ ولا مجال للعودة لتموين في الجو.
سبب آخر قد يفاجئك: الطائرات المقاتلة لا "تتعايش بانسجام" مع مدافعها.
كل إطلاق نار يسبب اهتزازات شديدة في هيكل الطائرة، ويستدعي فحصًا دقيقًا لكل المكونات الحساسة للاهتزاز، مما يطيل وقت الصيانة ويبقي الطائرة أطول في ورشة التصليح.
لذلك، رغم قدرات المدافع الجوية والاقتراب من المسيّرة للتعرف عليها، يُفضَّل استخدام سلاح ذاتي التشغيل نعرف متى يصل ومتى يصيب الهدف، ويسمح لنا بتخطيط مجال الإسقاط مسبقًا.
وإذا أخطأ الصاروخ، يمكن إطلاق آخر فورًا، أو حتى إطلاق عدّة صواريخ على نفس الهدف من عدة طائرات، بينما لا يستطيع المدفع سوى استهداف طائرة واحدة والتصويب عليها في نفس اللحظة.
اختيار الصواريخ يُقلِّص زمن المهمة، يقلل من البلى، يوفر في قطع الغيار، ويساعد في الحفاظ على الموارد للمهام القادمة.
والأهم من ذلك: يقلل من فرص الأضرار الجانبية والتورط السياسي الدولي.
صحيح أنه يمكننا القول "نحن الأقوى وسنُسقط ما نريد حيثما نريد"، ولكن هذه الذهنية لن تفيد على المدى البعيد: المتنمّر في الصف هو في الغالب طفل وحيد، وليس من الحكمة أن نصبح معزولين بينما تُطبخ حملة مشتركة ضد إيران.
وبعد كل ما ذكرته، قد تسألون: لماذا لا نتخلّى عن المدافع في الطائرات تمامًا؟ أليس من الأفضل الاستغناء عنها مقابل المزيد من الوقود؟ أو الأوكسجين؟ أو حتى آلة لصنع القهوة؟
انظروا، في أيامنا، المدفع في الطائرة هو كطفّاية الحريق: من الأفضل أن تكون ولا نحتاجها، على أن نحتاجها ولا نجدها.
إطلاق النار بالمدفع يتم فقط إذا فشلت العديد من الخيارات الأخرى – والبديل حينها إما إطلاق النار، أو لا شيء على الإطلاق.
لذا، طالما أن العدو لا يفاجئنا أو يُربكنا، لن نحتاج لاستخدام مدافع الطائرات – وسنقضي على المسيّرات بسلاح هو الأنسب لها.
المصدر: موقع كالكاليست الإسرائيلي
الكاتب: غرفة التحرير