يبيّن الصحفي روجل ألفر في هذا المقال الذي نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني تفاصيل جريمة الكيان المؤقت التي حصلت منذ أيام، عن قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بقتل 15 عامل في منظمات الإغاثة الفلسطينية بكل دمٍ باردٍ، وتحت ذرائع كاذبة فضحتها تقارير نشرتها وسائل إعلام في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ومنهم صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
النص المترجم:
في ليلة 23 آذار / مارس، اقترب موكب فلسطيني، يضم سيارة إسعاف وآليات إطفاء، من قوة تابعة للجيش في رفح. فتح الجنود النار، وقتلوا 15 عاملاً في منظمات الإغاثة، بينهم مسعفون. بعد عدة أيام، وُجدت الجثث والمركبات المهشّمة مدفونة في الرمال. هذه هي الحقائق التي يتفق عليها الجميع.
ادّعى الجنود أن المركبات تحركت بشكل مريب، وأنهم شعروا بتهديدٍ لحياتهم، وأن القتلى، في أغلبيتهم العظمى، مرتبطون بحركة "حماس"، وأنهم جُمِعوا ودُفنوا، موقتاً، كي لا تلتهم الكلاب والضباع جثثهم، وأن "حماس" تستخدم مركبات الإنقاذ بشكل منهجي لنقل المسلحين. في المقابل، يدّعي شهود عيان فلسطينيون أن مركبات الطوارئ كانت مميزة بوميض أضوائها، حسبما هو متّبع، وأن الضحايا أُعدموا بإطلاق النار عليهم من مسافة قريبة، ووُجدت جثث بعضهم مكبّلة الأطراف.
مؤخراً، نشرت وسائل إعلام في الولايات المتحدة وبريطانيا معلومات وشهادات دعمت رواية الفلسطينيين؛ صحيفة "نيويورك تايمز" نشرت مقطع فيديو عُثِر عليه في هاتف محمول كان بحوزة أحد المسعفين، ويُظهر بوضوح أن القافلة ميّزت نفسها بشكل واضح: إذ كانت أضواء الطوارئ مضاءة حين أطلقت القوات النار عليها. يُسمع في المقطع صوت إطلاق النار يقترب، بالتدريج، على مدى خمس دقائق، وفي مرحلة معينة، تُسمع أصوات جنود يمرّون بالقرب من المسعفين، بينما كان المسعف الذي صوّر الفيديو يصلّي، راجياً النجاة. بعد ذلك، عُثر عليه مصاباً برصاصة في رأسه. على ما يبدو، تثير الشهادات ادّعاءات بشأن حدوث مجزرة بحق عمال الإغاثة؛ جريمة حرب، لكن الجيش الإسرائيلي يواصل النفي.
في هذا السياق، من الجدير بالذكر أن القوة التي أطلقت النار كانت من لواء غولاني، وعشية إعادة الدخول إلى القطاع، قال قائد كتيبة في غولاني لجنوده: "كل مَن نلتقيه هو عدو. نرصد شخصاً، ونقضي عليه". أمر رئيس الأركان إيال زامير بفتح تحقيق، لكن، هل يستطيع الجيش الإسرائيلي الاعتراف بأنه ارتكب مجزرة بحق عمال الإغاثة؟ وهل يستطيع المتحدث بلسان الجيش الظهور على شاشة التلفزيون ويقول، بالعبرية والإنكليزية، إن الجيش يعتذر عن مقتل 15 من عمال الإغاثة الأبرياء؟ وهل يستطيع الاعتراف بأن بعضهم قُيّد وأُعدِم من مسافة صفر؟ وهل يستطيع الاعتراف بأن الجنود كذبوا؟
إن اعترافاً علنياً كهذا، يتضمن التزاماً تجاه المجتمع الدولي بشأن الكفّ عن معاملة فرق الإنقاذ والمساعدات الفلسطينية على أنهم عناصر في "حماس"، سيصعّب كثيراً على رئيس الأركان الجديد التصرف في القطاع مثلما فعل في ليلة 18 آذار / مارس، حين أمر بقصف جوي مكثف انتهى بقتل عشوائي لمئات الفلسطينيين الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال، لأن هذا سيُلزم، ليس فقط الجيش، بل المجتمع الإسرائيلي بأسره، الاعتراف بأن ليس كل مَن يُصادَف هو عدو، وأنه لا يجوز إبادة كلّ شخص نراه. لكن المجتمع الإسرائيلي غير قادر على الاعتراف بذلك، بل ستندلع ردّة فعل على غرار قضية إيلور عزريا [الجندي الذي اتُّهم باطلاق النار على رأس جريح فلسطيني كان ملقى على الأرض]: سيصرخ الرأي العام والحكومة بأن تقييد يد الجيش لأسباب قانونية يعرّض حياة الجنود للخطر.
وفقاً للتصور الإسرائيلي، يُعتبر جميع سكان غزة "وحوشاً"، حتى أولئك الذين يعملون في منظمات الإغاثة، وحتى أطفالهم، الجميع يستحق رصاصة في الرأس من مسافة صفر، أو صاروخاً في غرفة المعيشة. وبما أن الجيش يدّعي أن "حماس" تستخدم مركبات الإنقاذ لنقل المسلحين، فإن كل مركبة إنقاذ تُعتبر، تلقائياً، هدفاً يجب تدميره، سواء أكانت تضيء أضواء الطوارئ، أم لا.
لا يوجد تعاطُف مع الغزّيين. حتى مع الغزّي الذي يعمل فعلاً في منظمة إغاثة، وقد قُيّدت فعلاً قدماه، وتلقى رصاصة في رأسه من مسافة صفر، بينما كان يصلّي راجياً الحياة. المشكلة العميقة، والتي لا يمكن لأيّ تحقيق إصلاحها، هي أن المجتمع الإسرائيلي لا يرى في المجزرة جريمة حرب، بل دفاعاً عن النفس.
المصدر: هآرتس
الكاتب: غرفة التحرير