تشهد تجربة حزب الله تحوّلًا على مستوى القوة الناعمة، ترجع جذورها إلى فكر الشهيد الأقدس، السيد حسن نصر الله. لقد عزّز السيد على مدى سنوات طوال ثقافة مجتمعية هي جوهر حركة حزب الله ودعاماته؛ إذ شكّلت قوة تكاملت مع القوة العسكرية الصلبة في ردّ العدوان عن لبنان وشعبه. هذه القوة هي القوة الناعمة التي تتكامل بنيويًّا ووظيفيًّا في دفع مسيرة حزب الله وعدم توقفها عند أي عائق؛ القوة التي اختزل كنهها سماحة الشهيد الأقدس بالقول في العام 2020:" نحن لا نهزم، عندما ننتصر ننتصر وعندما نستشهد ننتصر".
فالاستشهاد والنصر مفاهيم لها بعدها الخاص في فكر حزب الله وثقافته؛ فالشهادة ليست إلا انتصار حياة العزة والكرامة على الحياة مع الذل والهوان، وهي تؤسس لصورة المقاومة الإنسانية التي تضحي بذاتها لأجل الشعوب المظلومة، بعيدًا عن الحدود الجغرافية والوطنية والمذهبية. وتؤمن المعرفة بالمبادئ الكلية للقوة الناعمة لدى حزب الله، وماهية النظرة إليها، مع تشريح المفاهيم الفرعية الأساس، عملية انتزاع مباني التحولات الرئيسة الضرورية في تجربة المقاومة لدى حزب الله خلال المرحلة الجارية والقادمة على مستوى الخطاب والسلوك.
تدرس الورقة المرفقة أسفل توصيات الدراسة، للكاتبة د. مريم رضا خليل، تطور القوة الناعمة لحزب الله في ظل تراجع القوة الصلبة بعد معركة "أولي البأس" (23 أيلول -27 تشرين الثاني 2024). وتتوقف عند مسار تطور القوة الناعمة لدى الحزب، وأهمية استثمارها في بناء إطار عام تجديديّ لخطاب متقدم يقارب المرحلة المستجدة والراهنة بطريقة إيجابية؛ فيستثمر وقائعها ومعطياتها باتجاه بناء القوة الناعمة وتطويرها. وتكمن أهمية الطرح التحليلي فيما يوفره من مساهمة تأسيسية لاستمرارية نبض المقاومة وإبقاء قضيتها حيّة بمضمونها وجوهرها وقيمها؛ بشعاراتها وخطابها؛ بحماستها وعنفوانها؛ وبأخلاقها ومظلوميتها وجهادها. فالقوة الناعمة لدى حزب الله تملك من الأسس البنيوية ما يوفّر لها الاستمرارية والقدرة على التجديد وتمتين مسارات التطوير في مقاربة قضية المقاومة على مستوى العمل السياسي والإعلامي والثقافي.
بعض التوصيات
الصراع لا يتجزأ وميادين الصراع أكثر من أن تنحصر أو تُختزل. بيد أن النجاح في أي معركة أو حرب لها الشروط والمقدمات الواجب توفرها، ولعل أولى خطوات السيطرة على الأمور هي التشخيص الدقيق وتحديد نقاط القوة، كما مكامن الضعف والثغرات لردمها ومنع اختراقها. والأقوى هو الطرف الذي يستثمر الطاقات الموجودة لديه في الإطار الصحيح موضوعيًّا وفنيًّا. الأمر الذي لا يمكن إلا بتحديد هذه الطاقات والعمل على تسييلها بشكل سليم. وتختلف طبيعة الصراع بين مرحلة وأخرى، وتتوقف نجاعة الصراع على اختيار النوع الأنسب وقد لا يكون هو الأمثل. القوة الناعمة حرب معقدة لا يستهان بها في صناعة التاريخ وكتابته، وصاحب السلطة هو الطرف الأقدر على تطويع كل ما يملك من مصاديق القوى ومظاهرها لكن بحكمة وحنكة ودراية.
قد يكون أمام حزب الله بعض الاستحقاقات في سياق استخدام القوة الناعمة، منها:
- تعزيز الدعم الشعبي لثقافة الحزب في الدوافع والسلوك، والسردية والجدوى.
- منع ضرب مشروعية المقاومة الأخلاقية والسياسية والقيمية عبر تعزيز تبيين السردية المقاومة وحفظ التاريخ.
- إضعاف سردية غربة حزب الله عن النسيج اللبناني وخدمة المصالح الأجنبية.
- إبطال مفاعيل مساعي عزلة الحزب سياسيًّا واجتماعيًّا.
- الحفاظ على الوحدة الداخلية كحالة عامة في المجتمع اللبناني، ومنع أي اختراق للحالة الشيعية خاصة.
- التركيز على الكلمة والفن واللحن في سياق موحّد وممنهج للمواضيع ضمن خارطة تخطيط على المديين المتوسط والبعيد.
- الاستمرار في تظهير الإبداعات الكامنة وابتكار الأساليب الجديدة والأدوات الجديدة في الخطاب والحكم وجذب الأدمغة.
- الحفاظ على الشفافية والمصداقية في تبيين الوقائع وتعزيز التبيين في مواجهة الأجندات الصفراء.
- تعزيز خطاب القوة المعنوية والمادية وتقويض برامج الرسائل النفسية المضادة.
لتحميل الدراسة من هنا
الكاتب: د. مريم رضا خليل