السبت 14 أيلول , 2024 11:59

اقتصاد الضفة مصدر قلق اضافي لاسرائيل

لطالما شكلت الضفة الغربية مصدر قلق لكيان الاحتلال. في حين لا يقتصر هذا الأمر على الحالة المقاومة وحسب بل على التداخل العميق الذي يربط الضفة بالداخل المحتل لا سيما الوضع الاقتصادي. ويتطلب تناول مدى تأثر اقتصاد الضفة الغربية بالتداعيات السلبية للحرب على الاقتصاد الإسرائيلي تحديد أهم القنوات التي يتداخل عبرها الاقتصادان معاً. وأهم هذه القنوات التجارة الخارجية، والعمالة الفلسطينية في الداخل المحتلّ، وتبدل سعر صرف الشيكل مقابل الدولار.

انكماش اقتصاد الضفة الغربية بمعدل 19 %

أكدت بيانات الحسابات القومية الأولية للربع الأخير للعام 2023 التي أشار إليها تقرير صادر عن معهد السياسات الاقتصادية الفلسطيني بعنوان "تداعيات الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي وانعكاساتها على اقتصاد الضفة الغربية، أيار 2024،" على الآثار السلبية لوقف تدفق العمالة الفلسطينية إلى داخل كيان الاحتلال على الإنفاق الاستهلاكي الخاص، والذي تراجع بنسبة 20.8 % مقارنة مع الربع السابق، وبنحو 19.9 % مقارنة مع الربع المناظر في الضفة الغربية. وقد كان تراجع الإنفاق الخاص من أكبر المساهمين في انكماش الناتج المحلي الحقيقي في الضفة الغربية خلال الربع الرابع 2023، والذي شهد انكماشاً حاداً بمعدل 19 % خلال الربع الأخير 2023 مقارنة مع كل من الربع السابق والمناظر.

جدول 1: التبدل في الإنفاق على الناتج المحلي في الضفة الغربية

التغير في الاستخدام النهائي

النمو

المساهمة في النمو

التغير في الاستهلاك الخاص

-20.8

-20.5

(+) التغير في الاستهلاك العام

-1.2

-5.0

(+) التغير في الاستثمار

-23.6

-7.4

(+) التغير في الصادرات

-20.0

-4.7

(+) التغير في الواردات

-25.4

-18.5

(+) التغير في صافي السهو والخطأ

-194.1

-0.1

الناتج المحلي

-19.0

-19.0

 

تراجع التجارة الخارجية

بالعودة إلى أرقام التجارة الخارجية ما قبل الحرب (الربع الثالث 2023)، كانت الواردات السلعية المرصودة من كيان الاحتلال تشكل ما نسبته 58 % من إجمالي الواردات السلعية الفلسطينية المرصودة، في حين شكلت الصادرات الفلسطينية من السلع إلى داخل كيان الاحتلال ما نسبته 91 % من إجمالي الصادرات الفلسطينية السلعية المرصودة.

بقي هذا التوزيع على حاله في الربع الرابع 2023، لكن اللافت هو التراجع الكبير في الواردات السلعية الفلسطينية المرصودة (تراجع بنسبة 28 % مقارنة مع الربع السابق)، نتيجة التراجع الكبير في الواردات من الكيان بنسبة 27 %. بالمحصلة تراجعت قيمة الواردات السلعية في مجمل العام 2023 بنسبة 5.5 % لتصل إلى 7.7 مليار دولار (4.4 مليار دولار قيمة الواردات من الكيان).

أما الصادرات فقد انخفضت بنسبة 23 % في الربع الرابع 2023 مقارنة مع الربع السابق، مدفوعة بانخفاض الصادرات إلى الكيان الصهيوني بنسبة 37 %، لكن اللافت في هذا الربع هو الارتفاع غير المعهود في الصادرات إلى الخارج والتي ارتفعت بنسبة 133 %. بالمحصلة تراجعت الصادرات في العام 2023 بنسبة 1.5 % مقارنة مع العام السابق لتصل إلى 1.6 مليار دولار (1.3 مليار منها إلى داخل الأراضي المحتلة).

جدول 2: النتائج الأولية للصادرات والواردات السلعية الفلسطينية المرصودة في العام 2023.

الربع

الصادرات إلى إسرائيل

الصادرات إلى باقي العالم

إجمالي العالم

الواردات من إسرائيل

الواردات من باقي العالم

إجمالي الواردات

الربع الاول

380

59

438

1.209

893

2.102

الربع الثاني

346

40

386

1.097

882

1.980

الربع الثالث

380

36

415

1.242

881

2.124

الربع الرابع

239

83

322

892

648

1.540

المجموع الكلي

1.344

218

1.561

4.441

3.304

7.745

 

تأثرت حركة الواردات بتشديد الكيان الصهيوني القيود والإجراءات على حركة الأشخاص والبضائع بين محافظات الضفة الغربية. كما تأثرت الواردات بتراجع الإنفاق الاستهلاكي الخاص، بسبب الانحسار الكبير لمصدر دخل مهم للاستهلاك المحلي، وهو تعويضات العاملين في الداخل المحتل، ولم يؤدي التعديل اللاحق إلا بالسماح للعمل فقط في بعض المستوطنات تحت إجراءات أمنية صارمة.

العمالة الفلسطينية في الداخل المحتل

على الرغم من عدم نشر بيانات رسمية من الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لمؤشرات سوق العمل للربع الأخير 2023، إلا أن الأثر المتوقع لوقف تدفق القسم الأكبر من العمالة الفلسطينية إلى الداخل المحتل على معدل البطالة في الأراضي الفلسطينية سيكون بالغ الأثر. إذ أن إضافة قرابة 171.1 ألف شخص من الضفة (20% من إجمالي العاملين الفلسطينيين)، كانوا يعملون في الداخل المحتل قبل الحرب (الربع الثالث 2023) إلى صفوف العاطلين عن العمل، سينعكس في تفاقم مشكلة البطالة في الضفة الغربية، إذ بلغ معدل البطالة في الضفة الغربية ما قبل الحرب نحو 12.9 %. عدا ذلك، من المتوقع أن يؤثر تراجع العمالة الفلسطينية في الاقتصاد الإسرائيلي على عدد العاملين في الضفة الغربية كما يصور الشكل التالي، والذي يظهر علاقة ارتباط بينهما كالتالي:

-يؤدي توسع تشغيل عمال الضفة في الداخل المحتل إلى زيادة الطلب الفعلي في أسواق الضفة، وبالتالي إلى زيادة التشغيل المحلي.

-تخفيف القيود الإسرائيلية على تشغيل عمال الضفة في الداخل المحتل، وزيادة عددهم هناك، يرافقه أغلب الأحيان تخفيف القيود على الحركة والنشاط الاقتصادي العام في الضفة الغربية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع التشغيل المحلي.

-عند تراجع عدد العمال الفلسطينيين في الداخل المحتل تزداد صعوبة استيعاب فائض اليد العاملة الفلسطينية في اقتصاد الضفة الغربية.

عدد عمال الضفة الغربية الذين يعملون في الضفة الغربية والذين يعملون في إسرائيل والمستعمرات خلال الأعوام 2000 - 2022 حسب الربع (عامل )

أكدت تقديرات منظمة العمل الدولية على مخاطر ارتفاع معدل البطالة في الأراضي الفلسطينية بتأثير الحرب. فقد قدرت المنظمة في شهر كانون أول 2023 أن معدل البطالة في الأراضي الفلسطينية سيصل إلى نحو 46.1 % في الربع الرابع ،2023 كما توقعت منظمة العمل الدولية أن يصل معدل البطالة إلى 57 % في الربع الأول2024. وأخذت منظمة العمل الدولية في الاعتبار عند احتساب ارتفاع معدل البطالة في الربع الأول 2024، التراجع الكبير في العمالة الفلسطينية في الداخل المحتل (171 ألف عامل كانوا يعملون في الداخل وخسروا وظائفهم)، إضافة إلى خسارة 144 ألف شخص آخرين وظائفهم بالضفة بسبب تراجع الأداء الاقتصادي، وخسارة 306 ألف شخص من القطاع وظائفهم بسبب العدوان الغاشم. يترافق توقف تدفق العمالة الفلسطينية إلى الداخل المحتل وارتفاع معدل البطالة، مع حرمان الاقتصاد الفلسطيني من تعويضات العاملين الفلسطينيين في الداخل المحتل والتي تشكل 16.9 % من الدخل القومي الإجمالي المتاح. وتلعب هذه التعويضات دورا مهما في تمويل الإنفاق الاستهلاكي الخاص.

أثر تبدل سعر الصرف على اقتصاد الضفة الغربية

يؤدي التغير في سعر صرف الدولار مقابل الشيكل إلى مجموعة من التأثيرات على اقتصاد الضفة، يأتي على رأسها تأثيره على القدرة الشرائية لمن يتلقون رواتبهم بالدولار والدينار. وتشير الأرقام الربعية إلى أن القدرة الشرائية لهؤلاء الأفراد قد تراجعت بنسبة 3.4 % في الربع الرابع 2023 مقارنة مع الربع السابق، يأتي هذا التراجع في القدرة الشرائية على الرغم من ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الشيكل خلال نفس فترة المقارنة بمقدار 1.8 %. ويعزى هذا التراجع إلى الارتفاع الحاد في معدل التضخم في الربع الرابع 2023 بنسبة 5.2 % مقارنة مع الربع السابق. وقد جاء ارتفاع معدل التضخم نتيجة الحرب الإسرائيلية على القطاع، وما تبعها من منع تدفق السلع الأساسية، بالتزامن مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الشيكل، والذي أدى إلى ارتفاع تكلفة الواردات. كما يترك التبدل في سعر صرف الدولار مقابل الشيكل أثرا على الموازنة العامة. خاصة أن جزءا مهما من المساعدات الدولية للموازنة يرد بعملة الدولار، في حين أن غالبية النفقات الحكومية، بما فيها رواتب الموظفين تدفع بعملة الشيكل. في حالة تراجع سعر صرف الدولار مقابل الشيكل، ربما تواجه الحكومة صعوبات في الإيفاء ببعض نفقاتها من جانب آخر وفي ظل أن 91 % من الصادرات الفلسطينية إلى إسرائيل، فإن انخفاض قيمة الشيكل لن يترك أثرا ملموسا على تنافسية السلع الفلسطينية في السوق الإسرائيلية، لكنه من الممكن أن يترك أثراً إيجابيا طفيفا على إنتاج المنشآت العاملة في الضفة الغربية نتيجة تحسن التنافسية الدولية، وتحسن تنافسية البضائع المحلية أمام السلع المستوردة، وهذا بدوره سينعكس في تحسن طفيف على الميزان التجاري.

إنّ عملية طوفان الأقصى والعدوان على غزة أسقطتا لدى رجال الاعمال والمستثمرين الأجانب فكرة "الدولة الآمنة" التي يمكن أن يتحقق فيها ازدهار اقتصادي. ويعكس الانخفاض في تصنيف كيان الاحتلال (وفق هنلي أند بارتنرز)، وتدفق الأفراد الأثرياء إلى الخارج مخاوف أوسع نطاقاَ بشأن الاستقرار والآفاق الاقتصادية وسط الحرب المستمرة. وبينما يسعى المستثمرون إلى بيئات أكثر أماناً واستقراراً، فإن التحدي الذي يواجه كيان الاحتلال سيتمثل في استعادة الثقة وإعادة بناء جاذبيته أمام الأثرياء والمتنقلين على مستوى العالم. ومن الواضح أيضا أنّ الاستثمارات الأجنبية تلعب دورا حيويا في النمو الاقتصادي والتنمية، لأنها توفر رأس المال، والتكنولوجيات الجديدة، والخبرة الإدارية، علاوة على ذلك، في حالة الكيان الصهيوني، يأخذ هذا الرقم معنى مختلفا، إذ إن حوالي 80% من رأس المال الذي يدخل قطاع التكنولوجيا (المحرك الرئيسي للاقتصاد) يأتي من الخارج. إضافة إلى ذلك، تسود حالة من القلق والارباك على مستوى المؤشرات الاقتصادية الإسرائيلية بسبب هروب استثمارات الإسرائيليين إلى الخارج بنحو 30% في الربع الأول من السنة الحالية حيث ارتفعت من 2.2 مليار دولار إلى 2.9 مليار دولار، مما يعني أن الإسرائيليين يهربون باستثماراتهم إلى الخارج.





روزنامة المحور