الواقع أنّ حرب روسيا وأوكرانيا زادت من مبيعات الأسلحة الأمريكية للحكومات حول العالم وخاصة الدول الأوروبية التي أصبحت تعتمد عليها في التسلّح. ومن المتوقع أن يزيد هذا الاعتماد خلال عملية العسكرة الحاصلة التي تنذر بالحرب العالمية الثالثة.
أصبحت الولايات المتحدة قادرة أيضًا على التحكم كما لم تتحكم من قبل بالدول الأوروبية، من خلال صادرات الغاز الأمريكي التي زادت بعد حظر الغاز الروسي والتي تباع لها بأسعار عالية لأنها تنقل عبر المركبات وليس الأنابيب. بالإضافة إلى الاعتماد الاقتصادي على الشركات الأمريكية التي بدأت تنتقل من أوروبا إلى الولايات المتحدة. هذا النوع من القوة أدى إلى المزيد من الغطرسة والتعالي،. حيث أصدر البيت الأبيض وثيقة جديدة ليتم تطبيقها على مشتري الأسلحة، لا تبدو إلا للفت نظر العالم بأنها أكبر تاجر للسلاح على الرغم من الحرب العالمية الجارية والتي تشي بعالم جديد متعدد الأقطاب. تضمنت هذه الوثيقة 5 بنود تدور حول شرط دعم السلاح الأمريكي للمصالح الأمريكية، على أن كل البنود تضمنت مصطلح الديموقراطية وحقوق الانسان. اللافت أن الصحف الأمريكية لم تهتم كثيرًا بهذه الوثيقة التي نشرت على موقع البيت الأبيض، على الرغم من أنّ بنودها الواضحة – إذا نفذت بدون تلاعب – لها تأثير كبير على السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة في غرب آسيا، أو ما يسميه الغرب الشرق الأوسط.
المزيد من التلاعب
من الناحية النظرية يجري الحديث أن وزارة الخارجية الأمريكية أصبحت تتمتع الآن بمزيد من الحرية لرفض عمليات نقل الأسلحة إذا كان هناك شك في أنها تستخدم ضد حقوق الإنسان، لكن من الناحية العملية ستقلّ العوائق التي تجعل الولايات المتحدة ترفض المبيعات، وقد تم التخلي عن القاعدة التي دامت عقودًا والتي تنص على أن الولايات المتحدة لن تستخدم السلوك السابق للدول ضدها عندما تقرر البيع. وبالتالي سيُفتح المجال لمزيد من المجمعات الصناعية لمزيد من الانتاج والتصدير.
إلا أن التعديل يمكن له أن يكسر قيود قانون مراقبة تصدير الأسلحة لعام 1976، على سبيل المثال المعونات العسكرية التي تصدرها الولايات المتحدة لدولة مصر بموجب اتقاقية كامب دايفيد حيث تم الالتزام بمعونات لمصر وللكيان المؤقت، وبمبلغ وقدره مليار و300 مليون دولار لمصر. الآن أصبحت الولايات المتحدة قادرة على التلاعب بهذه المعونة بحجة حقوق الإنسان. صحيح أن الولايات المتحدة طيلة الفترة الماضية كانت قادرة على التوقف عن هذا البرنامج أو تقنينه، وقد فعلت ذلك من خلال حرمانها من 10% من المعونة خلال السنوات الماضية، فلجأت مصر للضغط على الإدارة الأمريكية من خلال تجميد إجراءات تسليم الجزيرتين تيران وصنافير للسعودية، وقد كانت مصر، في كل سنة منذ تسلّم السيسي، تضطرّ للجوء إلى دفع الأموال لجماعات الضغط واللوبيات في الولايات المتحدة حتى تتم الصفقة دون نقصان.
لا يتعلّق الحصول على الأسلحة الأمريكية فقط من خلال المعونات بالنسبة للدول العربية، بالطبع تشتري كل الدول الأسلحة من الولايات المتحدة مثل السعودية مثلُا والإمارات، هذه الدول لا تتمتع بسجل حقوقي جيّد ومناسب بالنسبة للإدارات الأمريكية التي يسيطر عليها الديموقراطيون. ومشكلة السعودية الأساسية اليوم منذ وصول إدارة بايدن هي الحدّ من صفقات الأسلحة وحصرها بالحدّ الأدنى. ومخاوف من سحب أصول الدفاع الجوي الأمريكي من غرب آسيا والتي تمّ نقلها إلى أوكرانيا. بالنسبة للرياض، فإن التأكيد على الالتزام الأمريكي هو مثلًا بعدم سحب صواريخ باتريوت من المملكة العربية السعودية وهو الأمر الذي تضغط السعودية من خلال عدة ملفات منها التطبيع مع الكيان المؤقت، لإعادة الوضع كما كان عليه قبل بايدن.
الاختبار الحقيقي
مديرة برنامج الدفاع التقليدي في مركز ستيمسون راشيل ستول قالت "التنفيذ الفعلي لهذا سيكون اختبارًا حقيقيًا ، وليس ما هو موجود على قطعة الورق". لقد أصبح معلومًا أن حقوق الإنسان هو سلاح تستخدمه الولايات المتحدة لإقناع الشعوب بأي شيء. وهو سلاح قائم على عدم وجود معيار حقيقي، وبالتالي فإن أي قضية يدخل فيها مصطلح الديموقراطية لا يعوّل عليها. خاصة أن حكومة نتنياهو المتطرفة لا تراعي البند الرابع الذي ينص على الاستقرار السياسي للدولة ناهيك عن بند حقوق الإنسان. بيرني ساندرز في مقابلة له في برنامج Face Of Nations عبّر أنه "لا يمكنكم أن تنتخبوا حكومة عنصرية ثمّ تأتون إلى الولايات المتحدة لطلب المال". فهل ستنطبق هذه الاستراتيجية على الكيان المؤقت أيضًا؟ وهل ما توثقه الصحافة الأمريكية وما تنتقده باستمرار حول فشل حكومة نتنياهو المتطرفة التي "ستؤدي إلى نهاية إسرائيل" تُحسب "استقرارًا سياسيًا" في البيت الأبيض؟ أم أن العنصرية الإسرائيلية لا تعارض حقوق الإنسان؟
الكاتب: زينب عقيل