تركت العمليات الأخيرة التي قام بها شبان فلسطينيون في الداخل المحتل، قلقاً متزايداً يتجدد في كل مرة حول جدلية الحد من هذه العمليات ووقف عمليات الطعن والدهس واطلاق النار ضد قوات الاحتلال والمستوطنين. وتقول صحيفة يديعوت أحرنوت في هذا الصدد، ان "الرد على العمليات الأخيرة لن يتلخص بهدم وإغلاق منازل وسحب حقوق التأمين الوطني من مخربين وممن يدعمونهم. ثمة ضرورة لنقاش عميق في المسألة المحتدمة المتعلقة بقدرة وجود حياة مشتركة للجماعتين السكانيتين في القدس".
النص المترجم:
العمليات القاسية التي وقعت في القدس مؤخراً ترفع إلى الذاكرة إحساساً بتكرار الأحداث، فكل بضع سنوات ينفذ فلسطينيون من سكان المدينة عمليات في العاصمة أو خارجها في ظل استغلال قدرتهم على الحركة بين المناطق -الضفة الغربية- وإسرائيل. دعا كثيرون في إسرائيل هذه المرة أيضاً، للرد أساساً من خلال "مزيد من القوة" في مناطق شرقي القدس: نشر قوات، ونصب حواجز، وتكثيف الجهود الاستخبارية والعملياتية.
الآن، مثلما في السنوات الماضية، يدور الحديث عن جهد قد ينجح في إطفاء حريق محلي، لكنه سيترك الفيل الموجود في الغرفة وينمو: يوجد منذ 55 سنة نحو 370 ألف شخص من سكان القدس في مكانة غامضة بقرار من إسرائيل – فهم يعدون 40% من سكان المدينة، ومعدلهم يرتفع باستمرار (في 1980 كانوا يعدون 26% من سكان القدس). هؤلاء الفلسطينيون يحملون بطاقة هوية زرقاء لكنهم ليسوا مواطنين؛ ويتلقون خدمات التأمين الوطني الإسرائيلية لكنهم يصوتون للبرلمان الفلسطيني. وقلة صغيرة من بينهم يصوتون في انتخابات بلدية القدس. يعيشون تحت سيادة إسرائيل، لكنهم يرتبطون سياسياً واجتماعياً بروابط مع السلطة الفلسطينية.
لقد ولد هذا الوضع الانتقالي على مدى السنين عللاً شديدة ذات آثار استراتيجية، وعلى رأسها سيطرة محدودة نسبياً لإسرائيل على المواطنين العرب في القدس التي في الجانب الغربي من السور الواقي (حيث يعيش نحو 65% من الفلسطينيين في المدينة وتواجد قليل في تلك الموجودة في الجانب الآخر من السور). هذا الوضع يخلق فراغاً سلطوياً مليئاً بالفوضى، ألزم إسرائيل مرتين في أثناء فترة كورونا السماح بانتشار قوات أمنية فلسطينية في تلك المناطق. يضاف إلى هذا، فراغ قيادة عميق في شرقي المدينة، ينبع قسم منه من صراع عنيد لإسرائيل ضد النشاطات السياسية او الجماهيرية في تلك المنطقة.
استعراض الألعاب النارية الذي جرى في أحياء شرقي المدينة مع صدور نبأ عن العملية في "نفيه يعقوب" بالتوازي مع احتفالات فرح في مواقع أخرى في الساحة الفلسطينية، لا يترك مجالاً للشك حول ميل قلوب أغلبية سكان المدينة. فهم فلسطينيون في هويتهم، متمسكون بالرواية الجماعية الفلسطينية، يشعرون باغتراب شديد تجاه الحكم والجمهور في إسرائيل، بل يعرّف بعض منهم نفسه كصاحب رسالة لحماية الحرم من "الاقتحامات الصهيونية". رغم ذلك، فإن قسماً كبيراً من عرب المدينة يفضلون لاعتبارات مادية العيش تحت حكم إسرائيلي.
شروط السكان العرب في القدس تساهم أيضاً في احتدام احساس الاغتراب: 61% منهم يعيشون تحت خط الفقر (مقارنة بـ 32% من الجمهور اليهودي في القدس و16% في الجمهور اليهودي في كل الدولة)، معدل البطالة في أوساطهم أعلى بكثير من المتوسط ويبرز أساساً في أوساط المتعلمين في أوساط الجيل الشاب، وتثور بشكل ثابت شكاوى على التمييز في كل ما يتعلق بتلقي خدمات البلدية.
إن الرد على العمليات الأخيرة لن يتلخص بهدم وإغلاق منازل وسحب حقوق التأمين الوطني من مخربين وممن يدعمونهم. ثمة ضرورة لنقاش عميق في المسألة المحتدمة المتعلقة بقدرة وجود حياة مشتركة للجماعتين السكانيتين في القدس. حديث يشكل أساساً لبحث أوسع هو أمر واجب حول إمكانية وجود مشترك في كيان واحد إذا ما تحقق سيناريو الدولة الواحدة. مثلما في مجالات أخرى، في موضوع القدس أيضاً لا تقتصر مطالبة الحكومة على توفير جواب فوري للتحديات الأمنية، بل عليها أن تفكر أيضاً بشكل معمق في حل للمدى البعيد يستوجب قرارات حاسمة. لقد سبق للتاريخ أن أثبت بأنه إذا لم تتخذ هذه القرارات قبل فوات الأوان وبمبادرة إسرائيل فستتحقق بعد تلقي الضربات، بتسرع ومن موقع متدنٍ استراتيجياً.
الكاتب: ميخائيل ميلشتاين