أثارت الخطوة التي اتخذتها منظمة أوبك+ وشركاؤها رد فعل عنيف من مسؤولي البيت الأبيض وترددت أصداءها على الفور في الأسواق المالية العالمية. ونتج عنه إضافة لارتفاع الأسعار، ازدياد وتيرة التوترات الجيوسياسية في لحظة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للقوى الكبرى في العالم. اذ ان هذه الخطوة أتت بعدما أطلق مسؤولو إدارة بايدن جهودًا غير عادية للضغط على السعودية لإنتاج المزيد من النفط لتعويض النقص النفطي العالمي.
هذا الأمر جعل مسؤولي البيت الأبيض يفكرون في خطواتهم التالية ويلمحون علنًا إلى إجراءات غير مسبوقة لتقويض قبضة المجموعة على أسواق الطاقة الدولية، كما أكد الرئيس الأميركي، جو بايدن. الذي أعرب في بيان صدر عن البيت الابيض عقب الإعلان عن "خيبة أمله إزاء القرار قصير النظر" متهماً المنظمة بأنها "تتحالف مع روسيا".
وأضاف البيان أن الإدارة ستتشاور مع الكونغرس بشأن آليات إضافية "لتقليل سيطرة أوبك على أسعار الطاقة"، وهذا ما فسره اقتصاديون بأنه تلميح لإلغاء إعفاء طويل الأمد لقانون مكافحة الاحتكار الفيدرالي الذي يسمح للكونسورتيوم بالتنسيق الفعال بشأن الأسعار... ويقول محللون لصحيفة وول ستريت جورنال، إن هذه الخطوة إذا نفذت، فستؤدي بدورها إلى "رد فعل عنيف" من السعودية وحلفائها، خاصة ان التوقعات كانت قبل أيام قليلة تتحدث عن انخفاض بالإنتاج لكن ليس بهذا الشكل، وبالتالي فإن القرار الذي اتخذته أوبك+ جاء أكثر "تشدداً وعدوانية"، عما توقعه المحللون انفسهم.
ردود أفعال تنذر بتعقيد المشهد
تلقت الولايات المتحدة خبر خفض الإنتاج كالصاعقة. اذ ان التوقيت الذي أتت فيه، يكبّل بايدن من جهة ويجعله أكثر غضباً من جهة أخرى. فالانتخابات النصفية للكونغرس التي تبعد حوالي 33 يوماً، إضافة لإصرار موسكو على استثمار الطاقة كورقة ضغط ضد العقوبات، مع إشكالية يصعب حلها، بما يتعلق بشركات النفط الأميركية التي تجني ارباحاً هائلة، أنتجت ردود فعل قاسية من نواب الحزب الديموقراطي داخل الكونغرس.
ويقول النائب توم مالينوفسكي، إنه سيقدم تشريعاً رداً على الخفض الذي سيطلب من إدارة بايدن سحب القوات الأمريكية وأنظمة الدفاع الصاروخي من السعودية والإمارات. في حين حذّر المسؤول الكبير السابق في وزارة الخزانة الأميركية، مارك سوبيل، ان خفض الانتاج "ينذر بوضوح باحتمال ارتفاع أسعار النفط، مما يعزز قوى الركود في الاقتصاد العالمي ويزيد من مخاطر عدم الاستقرار المالي".
وعلى الرغم من أن البيت الأبيض ليس لديه سيطرة تذكر على أسعار الغاز، التي تسترشد بالأسواق العالمية، إلا أن بايدن انخرط في هذه المسألة بنشاط أكبر من العديد من أسلافه. ويأتي ضمن هذا السياق، طلبه بالإفراج عن مليون برميل من النفط يوميًا من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي، وهو إجراء ساعد على خفض الأسعار ولكنه الآن يجعل الولايات المتحدة أكثر عرضة لارتفاع التكلفة حيث تواجه تحدي التجديد.
في حين ذهب بعضهم إلى ابعد من ذلك، ووضع العلاقات مع الرياض على طاولة التقييم من جديد. اذ يقول السناتور، كريس ميرفي، في حديث لشبكة CNBC أن "خفض الإنتاج يجب أن يؤدي إلى إعادة تقييم بالجملة لتحالف الولايات المتحدة مع المملكة... زيارة بايدن هذا العام لم تسفر عن النتائج اللازمة من الرياض...عندما تعقدت الامور يختار السعوديون الروس فعليًا بدلاً من الولايات المتحدة".
ومن المقرر أن يتضمن مشروع قانون جديد، من مالينوفسكي والنائب شون كاستن، سحب القوات العسكرية الأميركية من السعودية، ونقل حوالي 3000 جندي، رداً على هذا "العمل العدائي". وقالا في بيان صادر عنهما أنه قد "حان الوقت للولايات المتحدة لاستئناف التصرف كقوة عظمى في علاقتنا مع الدول العميلة لنا في الخليج".
تقييم هذه الخطوة
تقترب الولايات المتحدة من نهاية إصدارها التاريخي من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي، وبينما ترك البيت الأبيض الباب مفتوحًا لمزيد من الاصدارات، فإن المزيد من السحوبات الكبيرة ستكون محفوفة بالمخاطر نظرًا للمستويات المستنفدة تاريخيًا. وكما أشار كبير مسؤولي الاستثمار في شركة بيكرينغ إنرجي بارتنرز، دان بيكرينغ، في تغريدة له على تويتر، أنه "يمكن لأوبك خفض كميات أكبر من النفط ولفترة أطول، مما يمكن لإدارة بايدن الإفراج عنه من احتياطي البترول الاستراتيجي.
ويقول خبراء اقتصاديون ان الدول الغربية ليس لديها تدابير فعالة مضادة تحت تصرفها. إلا انهم يعتقدون بأن أوبك+ ستنجح، دون أدنى شك، على المدى القصير، إلا "إن الإساءة إلى الغرب بهذه الطريقة يمكن أن تأتي بنتائج عكسية بالطبع". كما قال البيت الأبيض، إن الإعلان هو "تذكير بأهمية التخلص من الوقود الأحفوري الأجنبي"، وأكد التزامه بالانتقال إلى "الطاقة النظيفة". وهو ما سيحفز الدول الغربية لإيجاد طرقاً للابتعاد عن النفط، كدرس مشابه للحظر النفطي عام 1973، إلا ان ذلك سيحتاج سنوات عدة او ربما عقود. في حين ان الوصول إلى تلك المرحلة، سيرافقه تغيرات قد تكون جذرية، ببنية وسياسة واصطفافات شتى الدول أيضاً. وبالتالي، تغير في الخريطة الجيوسياسية الدولية.
الكاتب: مريم السبلاني