الثلاثاء 06 أيار , 2025 03:44

رسائل القوة في ضربة مطار بن غوريون.. أبعاد الهجوم اليمني على "إسرائيل"

مطار بن غوريون

في لحظة خاطفة، تهاوى وهم "السماء المحصّنة". لم تكن الضربة التي استهدفت مطار بن غوريون في 4 أيار/مايو 2025 مجرّد صاروخ شقّ طريقه من اليمن إلى قلب "إسرائيل"، بل كانت إعلانًا ناريًا عن ولادة زمن جديد: زمن المقاومة العابرة للحدود، والقادرة على كسر هيبة الردع الأميركي-الإسرائيلي في عقر دارها.

الضربة لم تصب منشأة مدنية فحسب، بل أصابت مركز الأعصاب في منظومة التفوق الجوي "الإسرائيلي"، وفضحت هشاشة الأسطورة الأمنية التي روّجت لها تل أبيب لعقود. إنها ليست معركة على مطار، بل معركة على المفهوم نفسه: من يملك الحق في الفعل، ومن عليه أن يتلقى الضربات بصمت.

بهذا الإعلان، دخلت القوات اليمنية المسلحة نادي اللاعبين الإقليميين القادرين على فرض المعادلات. لم تعد غزة وحدها ساحة المواجهة، بل أصبح المجال من صنعاء إلى اللد مفتوحًا على الاحتمالات. وللمرة الأولى، لم تعد "إسرائيل" تتحكم بالميدان… بل صارت جزءًا من أهدافه.

الحصار من الجنوب: معادلة اليمن الجديدة

إعلان القوات المسلحة اليمنية عن فرض "حصار جوي شامل" على "إسرائيل"، ليس تعبيرًا عاطفيًا عن تضامن مع غزة فحسب، بل ترجمة عملية لفهم جديد لمعادلة الردع الإقليمي، ودور اليمن كفاعل استراتيجي لم يعد بالإمكان تجاهله. فالضربة التي سبقتها تهديدات مباشرة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، واكبتها غارات أميركية وبريطانية عنيفة على صنعاء والحديدة وصعدة، جاءت لتسحب البساط من تحت رواية الردع الغربي، وتكشف حدود ما يسمى بـ"المظلة الحديدية".

في الحقيقة، بدا المشهد وكأن القوة التكنولوجية الأميركية، وعلى رأسها بطاريات “باتريوت” و”ثاد”، والقبة الحديدية، تقف عاجزة أمام الإرادة السياسية المدعومة بصاروخ محلي الصنع، انطلق من جبال اليمن ليصيب عمق الكيان المحتل.

من طهران إلى صنعاء: وحدة الجبهات لا تحتاج إعلانًا

في اليوم نفسه الذي سقط فيه صاروخ بن غوريون، كشفت إيران عن صاروخ باليستي جديد باسم "قاسم بصير"، يصل مداه إلى 1200 كيلومتر، ومجهّز للتعامل مع الحرب الإلكترونية، ولا يعتمد على نظام GPS، ما يجعله قادرًا على تجاوز معظم منظومات الدفاع الجوي. لم يكن هذا التزامن صدفة. إنه تعبير عن تناغم استراتيجي ضمن محور مقاومة متعدّد الجبهات، حيث يلعب كل طرف دوره ضمن ما يشبه "الردع المنسّق غير المعلن".

تصريحات وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده، التي أعقبت الإعلان، جاءت لتضع سقفًا أعلى للمواجهة: أي هجوم على إيران سيقابله استهداف شامل للمصالح الأميركية و"الإسرائيلية" في أي مكان. بكلمات أخرى، ما تفعله أميركا في اليمن لن يكبح الرد الإيراني، بل يمنحه مشروعية مضافة.

تل أبيب: انهيار أسطورة الأمن القومي

الهجوم اليمني أعاد فتح ملفات محرجة في الداخل "الإسرائيلي": كيف يمكن لصاروخ أن يخترق طبقات الحماية ويسقط في أهم مطار مدني؟ ولماذا تفشل المنظومات الأميركية و"الإسرائيلية" في منع الضربات المتتالية؟ الجواب يتجاوز البُعد التقني ليطال الإرادة السياسية. فالقوة لا تُقاس فقط بما تمتلكه من سلاح، بل بما تمنع حدوثه. وهنا، فشلت واشنطن وتل أبيب معًا في تحقيق الردع، وبدت مؤسساتها العسكرية مكشوفة وضعيفة في عيون خصومها وأصدقائها معًا.

لا غرابة أن شركات الطيران العالمية بدأت بتعليق بعض رحلاتها إلى "إسرائيل"، ولا أن بورصة تل أبيب شهدت تراجعًا حادًا بعد الضربة. الضربة التي بدأت كرسالة عسكرية انتهت كزلزال اقتصادي ـ سياسي يمس جوهر صورة "إسرائيل" ككيان آمن ومستقر.

الارتباك الأميركي: من التهديد إلى التفاوض

على الرغم من التصعيد العسكري الأميركي في اليمن، فإن الضربة كشفت هشاشة الموقف الأميركي، بل وازدواجية أولوياته. فالرئيس ترامب، الذي كان قد لوّح بـ"الجحيم" ضد الحوثيين، عاد ليغازل طهران، معلنًا استعداده للسماح ببرنامج نووي مدني إيراني مقابل مفاوضات جديدة.

الرسالة واضحة: واشنطن ليست في وارد خوض حرب شاملة، لا في اليمن ولا في الخليج. بل هي ـ كما يبدو ـ تهيئ الأرضية لتسوية جديدة قد تكون على حساب الدول العربية. والضمانات لـ"إسرائيل" لم تعد مطلقة، لا من حيث الفعل ولا من حيث النوايا.

النظام العربي الرسمي: غياب الدور وتحلل المكانة

الحدث ـ كما يقرأه المراقب العربي ـ يفضح عمق الانفصال بين الإرادة الشعبية المتمثلة في حركات المقاومة، وبين العجز الرسمي العربي الذي بدا بلا موقف، ولا حتى إدانة، أمام قصف غزة وتجويع أهلها. بينما الدول التي تُحاصر منذ سنوات وتُقصف يوميًا، كاليمن، تثبت قدرتها على التأثير الفعلي في معادلة الصراع.

ما فعله اليمن، وقبله حزب الله، وما تفعله المقاومة الفلسطينية، يعيد طرح سؤال القيادة في العالم العربي: من يمسك بزمام المبادرة؟ ومن يقف متفرجًا أمام مآسي أهله؟

تداعيات الضربة: مفاوضات تحت النار؟

كل المعطيات تشير إلى تحوّل كبير: من حرب "إسرائيلية" على غزة إلى معركة إقليمية مفتوحة. لم تعد المقاومة محاصَرة في رفح أو جباليا، بل باتت تمتد من الضاحية إلى صعدة، ومن بغداد إلى جنين. هذا التوسع في خريطة المواجهة يضع "إسرائيل" أمام خيارات محدودة: إما الدخول في مفاوضات شاملة ـ ليس فقط لتحرير رهائن ـ بل لإعادة صياغة المعادلة الأمنية والسياسية، أو مواجهة تصعيد بلا أفق، قد يفوق قدرتها على الاحتمال.

في الخلاصة، لم تكن ضربة مطار بن غوريون مجرد عملية عسكرية ناجحة. إنها إعلان عن ولادة جغرافيا جديدة للمقاومة، تتجاوز الحدود الكلاسيكية، وتضع المشروع الصهيوني في مواجهة غير متوقعة مع شعوب قررت ألا تموت بصمت.

وهنا، يصبح السؤال الأكبر: هل يدرك النظام الرسمي العربي أنه لم يعد في قلب المعادلة، بل على هامشها؟


الكاتب:

د.محمد الأيوبي

كاتب صحفي فلسطيني
بكالوريوس في الصحافة والإعلام
دكتوراه في الحقوق
mohammedwajeehal@gmail.com




روزنامة المحور